إخلاص أميرالمؤمنين عليه السلام
في يوم خروج النبي صلى الله عليه وآله من مكة أمر النبي أميرالمؤمنين عليه السلام أن يبيت في فراشه وأن يلتحف في برده الحضرمي ثم سأله ماذا ترى فقال أول تسلم يا رسول الله قال بلى فتبسم في وجه النبي صلى الله عليه وآله ثم خر ساجدا على نعمة فداء النبي صلى الله عليه وآله بنفسه ثم رفع رأسه من السجود قائلا فداك سمعي وبصري يا رسول الله عندها نزلت الآية الكريمة (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّه) لتكون خير شاهد من الله سبحانه على هذه التضحية العظيمة وهي ليلة مبيت أميرالمؤمنين عليه السلام في فراش النبي صلى الله عليه وآله
وهنالك فائدة في كلمة يشري فإن كلمة يشتري مقابل أن يعطي أما يشري تعني أن يبيع الشيء فإن أميرالمؤمنين قد باع نفسه للإسلام يبغي بها وجه الله سبحانه وهو خير مثال لمن أراد وجه الله تعالى وشاهد على إخلاص أميرالمؤمنين.
ومثال آخر من إخلاص أميرالمؤمنين عليه السلام هو أن سائلا دخل مسجد النبي طالبا المساعدة فلم يجبه غير أميرالمؤمنين عليه السلام إذ أشار إليه بالخاتم لينزعه ولم يرد بذلك إلا الله سبحانه والحقيقة أن الخاتم ليس له قيمة مادية فإن سعره قد لا يتجاوز الدينار ولكن عندما يكون ذلك لله خالصا فإن الله يبارك بالعمل وينميه
ومثال آخر على إخلاص أميرالمؤمنين هو أن سائلا أتى بيت أميرالمؤمنين وهم صيام فتصدقوا بما كان عندهم من زاد ثم تكرر الأمر في اليوم الثاني عندما سألهم يتيم ففعلوا معه كما فعلوا بالأمس ثم في اليوم الثالث جاءهم أسير فتصدقوا بطعاهم وهم يطوون يومهم الثالث من دون طعام فنزلت (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)
وأنظر إلى إخلاص أميرالمؤمنين في يوم الخندق عندما تظاهر المشركون واليهود فشكلوا حلفا لغزو المدينة وقتال الرسول صلى الله عليه وآله وصنع الرسول صلى الله عليه وآله الخندق بإشارة من سلمان الفارسي قام بعض المشركين بعبور الخندق من ثغرة وجدوه فيه أحدم هو عمرو بن ود العامري فصاح بالمسلمين (ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز)
واصبح يكرر القول بطلب من يبارزه وكان يقول ألا تزعمون أن من يقتل منكم يذهب إلى الجنة فأشار النبي صلى الله عليه وآله إلى أصحابه فلم يجبه أحد كأن على رؤوسهم الطير فأجابه أميؤالمؤمنين أنا له يا رسول الله فقال النبي اجلس يا علي إنه عمرو بن ود
وهنا يعلم النبي صلى الله عليه وآله أنه ليس لعمرو غير علي عليه السلام ولكنه أراد أن يظهر جبنهم ويظهر فضل علي عليه السلام ثم نادى ثانية فقام أميرالمؤمنين عليه السلام فأجلسه حتى كررها ثلاثا فقام أميرالمؤمنين عليه السلام في المرة الثالثة فقال له النبي صلى الله عليه وآله أنت له يا علي.
فعممه بعمامته الخاصه وقلده السيف ودعى النبي صلى الله عليه وآله قائلا يا رب إنك أخدت مني عبيدة بن الحارث يوم بدر وأخذت عمي الحمزة يوم أحد فلا تأخذ مني عليا ثم وصف أميرالمؤمنين بذلك الوصف الخالد برز الإيمان كله إلى الشرك كله إذ كان علي ع يمثل الإيمان كله فلو انهزم المسلمون لم يبقى منهم باقية وإذا انهزم المشركون فإنهم لن تقوم لهم قائمة بعد ذلك
وعند توجهه للمبارزة كان يدعوا له النبي صلى الله عليه وآله بهذا الدعاء وهو دعاء جليل على المؤمنين الالتزام به عند خروجهم من منازلهم أو توديع مسافر (اللهم احفزه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته) أي من الجهات الستة
وصل أمير المؤمنين إلى عمرو بن ود فقال له عمرو إن أباك صديقي ولا أريد أن أهرق دمك فقال أميرالمؤمنين عليه السلام أنأ أحب ذلك ثم قال له أميرالمؤمنين عليه السلام إني سمعت عنك أنك لو خيرت بين ثلاثة أمور أجبت إلى واحدة منها فقال بلى
فقال علي عليه السلام فأني أخيرك بين أن تسلم أو ترجع من حيث أتيت أو أن تترجل من على صهوة جوادك فقال ليس إلى أن أسلم أو أرجع فيعيروني سبيل ثم ترجل عن جواده وشرعا في القتال حتى علا الغبار
فلم ينكشف إلا عن علي عليه السلام وهو جالس على صدره فبصق اللعين في وجهه فصبر الإمام قليلا فقال له عمروا ماذا تنتظر فقال إنك عندما بصقت في وجهي شعرت بالغضب فصبرت حتى يذهب عني الغضب (وفي رواية قام الإمام ثم تمشى قليلا) ثم احتزه رأسه ليكون عمله خالصا لوجه الله سبحانه
ولكن ما هو أعظم من الأمور التي مضت في بيان إخلاص أميرالمؤمنين عليه السلام، عندما عصروا السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها بين الحائط والباب، عندها لم يستطع الإمام عليه السلام أن يفعل شيئا لها حفاظا على الإسلام وأهله ونزولا عند إرادة الله عزوجل .