كلمات أطارت نشوة المتوكّل!
بينما كان الشّيعة يُسجنون ويُعدمون بجرم طلبهم لحقوقهم، وكان النّاجون منهم يعيشون الفقر المدقع، حيث لم يكن للنّساء العلويّات سوى ثوبٌ واحدٌ للصّلاة يتناوبن على إعارة بعضهن لبعض أثناء الصلاة، كان المتوكّل ينعم في قصره المنيف، حوله ألف جارية، وتحت إمرته تسعون ألفَ جنديٍّ في بغداد وسامراء..
وفي إحدى جلسات خمره أمر بإدخال الإمام الهادي (عليه السلام)، ثم تجاسر وقدّم له كأسًا ممّا يشرب، وكأنّه يقول له: إنّ قوّتي وسلطاني ستجرف معتقداتك قريبًا! فجاءته هذه الأبيات من الإمام كصاعقة أطارت نشوة السكر من رأسه:
باتوا عَلى قُلَلِ الأجبالِ تَحرُسُهُم * غُلبُ الرِّجالِ فَلَم تَنفَعهُمُ القُلَلُ
وَاستَنزَلوا بَعدَ عِزٍّ مِن مَعـاقِلِــهِم * وأُسكِـنوا حُفَراً يا بِئسَــما نَزَلوا
ناداهُم صارِخٌ مِن بَعـدِ دَفنِـــــهِم * أينَ الأساوِرُ والتّيــجانُ والحُلَــل
أينَ الوُجوهُ الَّتي كانَــــت مُنَعَّمَةً * مِن دونِها تُضرَبُ الأستارُ والكِلَلُ
فأفصَحَ القَبرُ عَنهُم حينَ ساءَلَهُم * تِلكَ الوُجوهُ عَلَيها الدّودُ تَقتَــتِلُ
قَد طالَ ما أكَلوا دَهراً وقَد شَرِبوا * وأصبَحوا اليَومَ بَعدَ الأكلِ قَد أُكِلوا
وبعد مدّةٍ قصيرةٍ قُتل المتوكل مذلولًا على يد ابنه المنتصر، ولم يترك خلفه سوى الإرث الذي وصل لابنه، اندرست سيرته، بل وحتى موضع قبره!
لكن انظر إلى مكانة الإمام الهادي (ع) اليوم، حيث أصبح قبره مزارًا، وصارت سيرته مدرسةً للمؤمنين السائرين على دربه..