بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إِلٰهِى قَصُرَتِ الْأَلْسُنُ عَنْ بُلُوغِ ثَنائِكَ كَما يَلِيقُ بِجَلالِكَ ، وَعَجَزَتِ الْعُقُولُ عَنْ إِدْراكِ كُنْهِ جَمالِكَ ، وَانْحَسَرَتِ الْأَبْصارُ دُونَ النَّظَرِ إِلىٰ سُبُحاتِ وَجْهِكَ ، وَلَمْ تَجْعَلْ لِلْخَلْقِ طَرِيقاً إِلَىٰ مَعْرِفَتِكَ ، إِلّا بِالْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِكَ .
إِلٰهِى فَاجْعَلْنا مِنَ الَّذِينَ تَرَسَّخَتْ أَشْجارُ الشَّوْقِ إِلَيْكَ فِى حَدائِقِ صُدُورِهِمْ ، وَأَخَذَتْ لَوْعَةُ مَحَبَّتِكَ بِمَجامِعِ قُلُوبِهِمْ ، فَهُمْ إِلَىٰ أَوْكارِ الْأَفْكارِ يَأْوُونَ ، وَفِى رِياضِ الْقُرْبِ وَالْمُكاشَفَةِ يَرْتَعُونَ ، وَمِنْ حِيَاضِ الْمَحَبَّةِ بِكَأْسِ الْمُلاطَفَةِ يَكْرَعُونَ؛
وَشَرائِعَ الْمُصافاةِ يَرِدُونَ ، قَدْ كُشِفَ الْغِطاءُ عَنْ أَبْصارِهِمْ ، وَانْجَلَتْ ظُلْمَةُ الرَّيْبِ عَنْ عَقَائِدِهِمْ وَضَمَائِرِهِمْ ، وَانْتَفَتْ مُخَالَجَةُ الشَّكِّ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَرَائِرِهِمْ ، وَانْشَرَحَتْ بِتَحْقِيقِ الْمَعْرِفَةِ صُدُورُهُمْ ، وَعَلَتْ لِسَبْقِ السَّعَادَةِ فِى الزَّهَادَةِ هِمَمُهُمْ ، وَعَذُبَ فِى مَعِينِ الْمُعَامَلَةِ شِرْبُهُمْ ، وَطَابَ فِى مَجْلِسِ الْأُنْسِ سِرُّهُمْ ، وَأَمِنَ فِى مَوْطِنِ الْمَخَافَةِ سِرْبُهُمْ ، وَاطْمَأَنَّتْ بِالرُّجُوعِ إِلَىٰ رَبِّ الْأَرْبابِ أَنْفُسُهُمْ؛
وَتَيَقَّنَتْ بِالْفَوْزِ وَالْفَلَاحِ أَرْواحُهُمْ ، وَقَرَّتْ بِالنَّظَرِ إِلَىٰ مَحْبُوبِهِمْ أَعْيُنُهُمْ ، وَاسْتَقَرَّ بِإِدْرَاكِ السُّؤْلِ وَنَيْلِ الْمَأْمُولِ قَرارُهُمْ ، وَرَبِحَتْ فِى بَيْعِ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ تِجَارَتُهُمْ .
إِلٰهِى مَا أَلَذَّ خَواطِرَ الْإِلْهامِ بِذِكْرِكَ عَلَى الْقُلُوبِ ! وَمَا أَحْلَى الْمَسِيرَ إِلَيْكَ بِالْأَوْهامِ فِى مَسالِكِ الْغُيُوبِ ! وَمَا أَطْيَبَ طَعْمَ حُبِّكَ ! وَمَا أَعْذَبَ شِرْبَ قُرْبِكَ ، فَأَعِذْنا مِنْ طَرْدِكَ وَ إِبْعادِكَ ، وَاجْعَلْنا مِنْ أَخَصِّ عَارِفِيكَ ، وَأَصْلَحِ عِبَادِكَ ، وَأَصْدَقِ طَائِعِيكَ ، وَأَخْلَصِ عُبَّادِكَ ، يَا عَظِيمُ يَا جَلِيلُ ، يَا كَرِيمُ يَا مُنِيلُ ، بِرَحْمَتِكَ وَمَنِّكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.