قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

القانون الطبيعي في ضوء الرؤية القرآنية – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

قال تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ “فاطر: 12”

تُسلّط هذه الآية الكريمة الضوء على ظاهرة طبيعية تبدو مألوفة في ظاهرها، لكنها تخفي وراءها معاني عميقة في التكوين الاجتماعي والبشري. فاختلاف البحرين في الطعم والملوحة، مع أنهما يشتركان في أصل العنصر، يرمز إلى اختلاف البشر في الصفات والمقامات رغم كونهم من جنس واحد.

التفاوت ليس ظلماً

تشير الآية إلى أن الاختلاف سنة إلهية. البحران لا يستويان، وهذا لا يُعد ظلمًا لأحدهما، بل جزء من نظام كوني دقيق. وكذلك الناس: لا يتساوى العالم بالجاهل، ولا التقي بالفاجر، ولا المخلص بالمنافق. التفاوت هنا يحمل بعدًا عدليًا، لا تمييزيًا، وهو ما يرسخ مبدأ القرآني في التفاضل على أساس التقوى والكفاءة، لا على أساس الانتماء أو الاسم.

التأمل في قانون البحر

الآية لا تكتفي بتوصيف البحرين، بل تستعرض نتائج هذا التنوع: من كليهما يُستخرج رزق ونفع، طعامًا وحلية، وسُبلًا للتجارة والتنقل. هنا دعوة للتفكر في أن الاختلاف لا يعني التعارض أو التنافر، بل يمكن أن يكون مصدر غنى وتكامل، إن أحسن الإنسان توظيفه.

القانون الطبيعي لا يُطبق على البشر

من الملاحظ أن البحار تخضع لقانون طبيعي صارم: القوي يأكل الضعيف، والضخم يبتلع الصغير. هذا ما نراه في عالم الكائنات البحرية. لكنه ليس قانونًا يُراد له أن يُطبق في المجتمعات الإنسانية. فالإنسان مكرم، مكلف، عاقل، مسؤول، ولذلك وضعت له شرائع تحد من جموح القوة، وتضبط السلوك بالقيم لا بالغريزة.

الإنسان ليس حيوانًا

الفرق الجوهري بين البشر والكائنات الأخرى هو وعي الإنسان وإدراكه، ومن ثم مسؤوليته. فإذا سلّم الإنسان لقانون “أكل القوي للضعيف”، فقد تنكر لإنسانيته وارتد إلى مرحلة أدنى من التكليف. وهذا ما يجعل العدالة والقانون في المجتمعات البشرية ضرورة، لا ترفًا.

ظاهر النص وباطنه

من المهم التنبه إلى أن الآية الكريمة، رغم ظاهرها الطبيعي، حملت إشارات رمزية فهمها بعض كبار المفسرين كالفخر الرازي على نحو تأويلي. ففسّر العذب بالمؤمن، والملح بالكافر. وقد يُعترض على هذا التفسير باعتباره صرفًا للنص عن ظاهره، لكن هذا يدل على أن ظاهر القرآن لا يُلغى، بل يُستكمل بباطنه ما لم يتعارض مع العقل والدين، كما تؤكد عليه مدرسة أهل البيت عليهم السلام.

خلاصة

القرآن الكريم في هذه الآية لم يكن في معرض إعطاء درس في الجغرافيا أو علم البحار، بل أراد تأسيس فهم عميق للتفاوت والتفاضل، وبيان أن لكل كيان دوره وقيمته. كما أنه نبّه إلى ضرورة التحرر من قانون الغابة الذي يحكم غير العاقل، وشدد على أهمية بناء المجتمع على أساس الوعي، والعدالة، والكرامة الإنسانية.

مواضيع مشابهة:

المنبر العميد – 130- القانون العشائري

أحكام القوانين والمقررات