أحكام ميراث الطفل – السيد صباح شبر
تتناول هذه الحلقة مسألة من المسائل الدقيقة في فقه المواريث، وهي ميراث الطفل والمولود المنفوس الذي يولد حيًّا أو ميتًا. فقد كانت الجاهلية قبل الإسلام تحرم الصغار والنساء من الميراث، وتجعل المال حكرًا على الرجال المقاتلين، فجاء الإسلام فأنصف الجميع، وجعل الميراث حقًا إلهيًا لا يخضع للعُرف أو القوة. وتعرض الروايات الشريفة لأحكام دقيقة حول استحقاق المولود للميراث متى ما تحققت فيه علامات الحياة.
نص الروايات:
عن علي بن إبراهيم القمي في تفسيره قال:
في قوله تعالى: {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ}
فإن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون الصبي الصغير ولا الجارية من ميراث آبائهم شيئاً، وكانوا لا يعطون الميراث إلا لمن يقاتل، وكانوا يرون ذلك في دينهم حسناً.
فلما أنزل الله فرائض المواريث وجدوا من ذلك وجداً شديداً، فقالوا: انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فنذكره ذلك لعله يدعه أو يغيره.
فأتوه فقالوا: يا رسول الله، للجارية نصف ما ترك أبوها وأخوها، ويُعطى الصبي الصغير الميراث، وليس أحد منهما يركب الفرس ولا يجوز الغنيمة ولا يقاتل العدو؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بذلك أمرتُ.
تفسير القمي، ج1، ص144
عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(لا يُصلى على المنفوس، وهو المولود الذي لم يستهلّ ولم يصحّ، ولم يُورّث من الدية ولا من غيرها، فإذا استهلّ صُلّي عليه وورثه).
الكافي، ج3، ص203
عن أبي بصير قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام، قال أبي عليه السلام:
(إذا تحرك المولود تحركًا بينًا فإنه يرث ويورث، فإنه ربما كان أخرس).
تهذيب الأحكام، ج9، ص378
محاور الحلقة:
إصلاح الإسلام لميراث الجاهلية: كيف كانت نظرة الجاهلية إلى الميراث قبل الإسلام؟ ما موقف النبي صلى الله عليه وآله من اعتراضهم على توريث الصبي والجارية؟ ما الدلالة الشرعية في قوله صلى الله عليه وآله: «بذلك أُمرت»؟
أحكام المولود المنفوس ومتى يرث: ما هو تعريف “المنفوس” في الفقه؟ متى يرث المولود ومتى لا يرث؟ ما المقصود بالاستهلال والتحرك البين في الروايات؟ لماذا اعتبرت الروايات الحركة علامة حياة كافية لإثبات الإرث؟
البعد الإنساني والتشريعي في توريث الطفل: ما أثر هذا التشريع في صيانة حقوق الأيتام والضعفاء؟ كيف ينسجم فقه الميراث مع مبادئ العدالة الاجتماعية في الإسلام؟ ما رسالة المشرّع في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}؟
لقد أرسى الإسلام من خلال هذه التشريعات مبدأ المساواة في الكرامة والحق، فكما أن الكبير يرث فالصغير يرث، وكما أن الرجل له نصيب، فللمرأة نصيب مفروض.
أما المولود الذي يُبدي علامة حياة، فقد دخل في عداد الأحياء، فله حق الإرث والصلاة والدية. إنها رسالة عدل ورحمة تعلن أن الشريعة لا تظلم حتى من لم ينطق بكلمة واحدة في حياته.
