أسباب الندم يوم القيامة – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا)
روي عن ابن عباس أنه قال: نزل قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ…) في عقبة بن أبي معيط وأبي بن خلف وكانا متخالّين، وذلك أنّ عقبة كان لا يقدم من سفر إلاّ صنع طعاماً فدعا إليه أشراف قومه، وكان يكثر مجالسة الرسول، فقدم من سفره ذات يوم، فصنع طعاماً ودعا الناس، فدعا رسول الله (ص) إلى طعامه، فلما قرّبوا الطعام قال رسول الله (ص): ما أنا بآكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله،
فقال عقبة: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمداً رسول الله (ص)، وبلغ ذلك أبي بن خلف فقال: صبأت يا عقبة! قال: لا والله ما صبأت، ولكن دخل عليّ رجل، فأبى أن يطعم من طعامي إلاّ أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي ولم يطعم، فشهدت له فطعم، فقال أبي: ما كنت براضٍ عنك أبداً حتى تأتيه فتبزق في وجهه، ففعل ذلك عقبة، وارتد، وأخذ رحم دابة فألقاها بين كتفيه
والعض على اليدين معنى مجازي للندم، فالذي يشعر بالندم ليس من الشرط أن بفصح بذلك بلسانه، بل العض على الأصابع أو اليد هو إخبار بالإشارة على الشعور بالندم، ومن الذنوب التي توجب الندم هي: قتل النفس المحترمة، وقطع صلة الأرحام مع القدرة على وصلها، وترك كتابة الوصية، وترك رد المظالم، وترك الزكاة.
والبعض من كثرة الكبرياء يبقى حتى بعد أن يتبين له الحق من الباطل معانداً للحق مصراً على الباطل، وإنما يمنعهم من اتباع الحق عدا الكبرياء المصالح الدنيوية الفانية، فهذا هارون العباسي الذي كان يعترف بأحقية الأئمة عليهم السلام بالخلافة، إلا أن الملك قد أعمى عينة عن اتباع الحق.
فقد روي أنه أقبل عليه الإمام الكاظم عليه السلام فأكرمه أعظم إكرام، مما آثار استغراب ولده المأمون عن سبب هذا الاهتمام الكبير بالإمام عليه السلام حيث قال المأمون لأبيه: يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته وأجللته وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته وأقعدته في صدر المجلس وجلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟!
قال: هذا امام الناس وحجه على خلقه وخليفته على عباده فقلت: يا أمير المؤمنين أوليست هذه الصفات كلها لك وفيك؟ فقال: انا امام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر وموسى بن جعفر امام حق والله يا بني انه لاحق بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله منى ومن الخلق جميعا ووالله لو نازعتني هذا الامر لأخذت الذي فيه عيناك فإن الملك عقيم.