وجوب الإيمان بالقدر – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)
نزلت هذه الآية لدفع الشبهة عمن يقول أنّ الأسباب الطبيعية هي التي تلعب الدور الأول في الحياة، بمعنى أنه مثلاً عند توفر التربة الخصبة والبذرة والمياه ينتج منهم الزرع والأشجار والثمار.
أو لو اجتمع أبوين ينتج منهما مولود، وكأن ليس في الحياة دور غيبي لله تعالى،
كم من أبوين سليمين لا يقدران على الإنجاب، وكم من غرسة رعاها زارعها أفضل رعاية ولم تثمر.
فالقرآن في هذه الآيات يريد أن يطرد من أذهان الناس أن السبب الطبيعي هو العلة الأولى والرئيسية لتشكل وتكون الأشياء،
وأن العلة الأصلية لوجود كل ما في الحياة هو إرادة الباري عز وجل.
فلو اجتمعت كل العلل في تكوين أي شيء ما كانت لتكون لولا إرادة الله تعالى، ومع إرادة الله تعالى يمكن أن يوجد أي شيء وإن كان من دون علل طبيعية كما أوجد الله المسيح بن مريم من دون أب، (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ).
هل قدر الله كله خير؟
ومن جانب آخر أتت الآية لتحارب قضية التذمر على ما قدر الله، وأنه على المرء أن يذعن لقدر الله تعالى،
بحيث كان العرب إذا حان وقت ولادة المرأة يقفون على بابها فإن كان المولود ذكر تهللوا وإن كانت أنثى تذمروا.
وفي قوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ) يعني أنه ما من شيء في الأكوان إلا هو مخلوق لله تعالى،
وطالما أنه مخلوق لله، والله لا يخلق إلا ما هو حسن ولا يوجد إلا ما هو خير، فإذن كل ما يخلقه الباري عز وجل هو خير وحسن.
وليس شرطاً أن ندرك نحن البشر بعقولنا القاصرة ما هو حسن وما هو قبيح، فمثلاً الكثير منا قد يستقبح وجود بعض الحشرات، أو بعض الحيوانات بسبب أذاها للبشر.
لكن الله لو لم يعلم أن هذا الشيء المستقبح لو لم يكن له دور في الحياة لما خلقه، فالكثير من الكائنات الموجودة في عالمنا لها دور أساس في إعادة التوازن وحفظ التوازن البيئي للحياة.