بحث حول الآية الكريمة (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)
إن الإنسان مدني بالطبع ولا يمكنه أن يعيش بمفرده منفصلا عن المجتمع وتنشأ بينهم جراء ذلك علاقات اجتماعية يقول أبو العلاء المعري:
ولو أنّي حُبِيتُ الخُلْدَ فَرْداً لمَا أحبَبْتُ بالخُلْدِ انفِرادا
إن العلاقات التي تنشئ بين الناس توثق قسم منها باللفظ وقسم منها بغير اللفظ أو ما يصطلح عليه بالمعاطاة، فالعقود اللفظية تنقسم إلى قسمين وهي العقود الشخصية والعقود الاجتماعية.
والمثال على العقود الشخصية، معاملاتنا اليومية كالبيع والشراء، والمثال على العقود الاجتماعية، المواثيق الدولية بين الدول المجاورة من قبيل احترام الحدود ورعاية مصالح البلدين.
كيف يتربى الإنسان؟
إن هناك سبل مختلفة لتربية الفرد، فتارة يتربى من خلال المراقبة وتارة يتربى من خلال التعليم والمراقبة الاجتماعية لها أثر كبير على تربية الفرد
إن الفرد إذا عاش بين أهل بلدته يحاول أن يضبط سلوكه خوف من مراقبة الآخرين له، ولكنه سرعان ما ينفلت فيما إذا خرج إلى بلدة لا يعرف أهلها ولا يعرفوه، إذ أن الجيرة تعتبر عاملا من عوامل الضبط.
كيف نتعامل مع الجار وفق الشريعة الإسلامية؟
إن لجارك عليك حقوق، ومن حقوقه أن لا تؤذيه بقتار قدرك إلا أن تقتدح له منها، أي أنك لا تؤذيه برائحة طعامك إلا أن ترسل له شيئا من الطعام.
على المؤمن أن لا يبيت ممتلئ البطن وجاره جائع، وكان أميرالمؤمنين عليه السلام يستشهد بأبيات لحاتم الطائي :
وحسبك داء أن تبيت ببطنة وحولك أكباد تحن إلى القد
إن من حقوق الجار عليك أن تستر عورته، ويتحتم علينا ذلك إذا اعتبرنا الجار أحد أفراد العائلة، ويكون ذلك من خلال رعاية بيت الجار وعدم التجسس عليه وأن يعتبر عرض جاره، عرضه كما يقول مسكين الدارمي:
نارِي ونارُ الجارِ واحدةٌ وإليه قبلي تُنْزَلُ القِدْرُ
ما ضرَّ جاريَ إذ أجاوِرُه أن لا يكونَ لبيتِه سِتْرُ
أَعمى إذا ما جارتي خرجتْ حتّى يُوَارِيَ جارتي الخِدْرُ
إن العرب قبل الإسلام كانوا يهتمون لأمر الجار، فكان الجار في أمان من جاره، ومن الأمثلة على ذلك أن أحدهم نزل جراد بجواره فجاءه جماعة يبحثون عن الجراد فمنعهم من ذلك وقال ما داموا في جواري فلا يحق لأحد التعرض لهم.
ومثال آخر هو عدي بن حاتم الطائي وهو في الحقيقة من المفاخر وكان من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام وكانت قرى من النمل في جواره ولم يكن يخرج إلى عمله ما لم يأتي بالخبز ويفته أمام قرى النمل.
وكان هارون الرشيد يصطاد يوما من الأيام في النجف، فلاحظ أن الظباء تلوذ وتستجير بربوة، فسأل أحد الأعراب هناك فقال إنه قبر أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول الشاعر:
بقبرك لذنا والقبور كثيرة ولكن من يحمي الجوار قليل
إن جميع المذاهب الأربعة أجمعت على استحباب زيارة القبور والوقوف عليها، وطلب بركتها حتى الموالك يقولون باستحباب الوقوف على قبور الأولياء والتوسل بهم إلى الله سبحانه.
إن الإسلام أقر ما كان عليه العرب من حسن الجوار وأكد عليه.
إن الإمام الحسين اختار مسلم بن عقيل ليقوم بدور ريادي والإمام عليه السلام كان يعرف الجيش الذي سوف يواجهه وحجم أصحابه الذين سيخرجون معه.
إن المسألة لم تكن مسألة تكافؤ بين جيشين بل كانت مسألة زرع بذرة ستثمر فيما بعد وهذا الذي حصل، فإن الإمام عليه السلام بذل دمه في سبيل الله ليثمر فيما بعد باقتلاع عروش الأمويين.
يقول غاندي تعلمت من الإمام الحسين أن أكون مظلوما فأنتصر، فأحيانا لا يصل الإنسان إلى أهدافه من خلال السيف بل يصل إليه بوسائل اخرى.
إن الإمام الحسين عليه السلام عندما توالت عليه الكتب من الكوفة أرسل مسلم بن عقيل رضوان الله عليه وكان مسلم بن عقيل يحمل مزايا لا يحمله غيره.
كان مسلم بن عقيل مخلصا للإمام الحسين عليه السلام وكان مع ذلك ابن عم الإمام عليه السلام وكان فقيها باستطاعته أن يغطي الأمور التي قد تحدث في الكوفة وباستطاعته أن يخمن الوضع ويعكسه للإمام عليه السلام.
إن مسلم بن عقيل أول ما نزل في الكوفة في دار المختار وذلك قبل دخول عبيد الله بن زياد وتقلب الكوفة ولكن عند دخول ابن زياد وتهديد أهل الكوفة بجيش الشام انتقل مسلم إلى هانيء بن عروة.
عندما طلب ابن زياد مسلم بن عقيل من هانيء بن عروةقال له: لو كانت رجلي على طفل من أطفال آل محمد عليهم السلام لما رفعتها، إن مسلم بن عقيل جاري ولا يمكن أن أتخلى عن جواري.
استعجل مسلم بن عقيل رضوان الله عليه الخروج قبل موعده ولذلك كان أصحابه متفرقين وذلك بسبب ما حصل لهانيء بن عروة حتى انتهى به الحال وحيدا في أزقة الكوفة.