قصة ولادة موسى عليه السلام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)
إن مفهوم الوحي في القرآن الكريم مفهوم له درجات ومراتب، فمرة يأتي الوحي إلى غير الإنسان على صورة إلهام فطري، ومثاله قوله تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)، ومرة يأتي إلى الإنسان على صورة كلام يطرق في الأذن، وهذا أيضا على درجات، فمرة يسمع الصوت ويرى ملك الوحي ومرة يسمع الصوت فقط، والوحي المقصود في هذه الآية هو صوت يسمع ولكن بدون رؤية شخص الناطق.
إن أم النبي موسى عليه السلام كان اسمها يوكابد بنت لاوي، وقد أرادت أن تحمي ابنها من فوعون، لأن فرعون كان عنده كاهن تنبأ أن الذي ينهي حكمه هو فتى من بني إسرائيل، ولذا أصدر قرار بقتل كل طفل ذكر يولد لبني إسرائيل، ولكن كانت مشيئة الله أن يتربى النبي موسى الذي كان يخشاه فوعون على نفسه في بيته.
وقد حملت أم موسى عليه السلام به ولم تظهر عليها علامات الحمل، كما فعل الله بأم الإمام المهدي عجل الله فرجه أن أخفى الله علامات الحمل عليها، وما إن اقتربت موعد ولادة موسى عليه السلام حتى اضطربت اضطراباً شديداً، وعندما وضعته أوحى الله إليها أن ترمي بوليدها في يم في نهر النيل.
وهذه الآية من آيات الإعجاز في القرآن الكريم، فقد حوت مضامينها على عدة أوامر وهي: الأمر بالرضاعة والأمر بإلقائه في النهر والأمر بعد الخوف والحزن، ثم ختمت ببشارتين: الأولى أن الله تعالى سيرده إليها والثانية أن الله سيجعله من أولى العزم من الرسل.
وتشير هذه الآية على أهمية الرضاعة الطبيعية بالنسبة للطفل، فالطفل يولد وهو يجتاج إلى إشباعه غذائياً بالحليب، ويحتاج بشكل أكبر إلى إشباعه عاطفياً، لأن أكثر ما ينمي الطفل ذهنياً هو شعوره بالحنان، وبالأخص حنان الأم، لأن رحمها كان بيته الأول، وأول ما طرق سمعه كان نبضات أمه، ولذلك الطفل لا يهدأ إلا إذا وضع على صدر أمه.