المعجزة سلاح الأنبياء – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وما تلك بيمينك يا موسى * قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى)
الاستفهام في هذا المقطع من الآية الكريمة لا يحمل على الحقيقة، لأنه في العادة من يستفهم هو الجاهل، فمن لا يعرف الشيء ويجهله يسأل عنه فيخبر بحقيقته، فالاستفهام الحقيقي لا يصح إلا على الجاهل.
الله عز وجل يستفهم من موسى (ما تلك)، فما معنى هذا الاستفهام؟ هذا الاستفهام لا يحمل على الحقيقة بالتأكيد وإنما للتقرير، فهناك أهداف من وراء هذا الاستفهام.
أول هذه الأهداف لفت نظر الناس إلى هذه المعجزة، لأن الله عز وجل يسلح الأنبياء بالمعجزة ويسلح الأولياء بالكرامة، فالنبي إذا لم يحمل معجزة فهو لا يصدق، فلا بد من تسليحه بالمعجزة حتى يصدق، والمعجزة هي ما يعجز البشر عن الإتيان بمثلها.
على سبيل المثال، الآن قطع العلم مراحل ضخمة، فمن المتوقع أن يصعد بنا العلم إلى بعض القارات البعيدة عنا، لكن هل يستطيع العلم أن يخلق حياة في الخلية؟ هذا الشيء الذي لا يقدر عليه، فقد يجمعون مواد الخلية التي تتكون منها، فيقولون لك إن الخلية تتكون من نيتروجين وكربون وأوكسجين مثلًا، قد يستطيعون جمعها، ولكن إن اجتمعت هل بها حركة وحياة؟! لا. الذي يضع الحياة ويخلق الحياة ويهب الحياة هو الله سبحانه.
وهذه هي المعجزة، بأن يعطي الله للنبي شيئا خارقا، وهذه المعجزة تكون دليلا على صدق نبوته، ولولا المعجزة لادعى كل شخص النبوة، فأنت ترى اليوم بأن أبسط المناصب وأبسط العناوين في الدنيا يأتي أحدهم ليدعيها لنفسه، لأن الواقع لا يطالبه بالدليل، وعندما لا يطالب بالدليل يستطيع أي شخص أن يدعي، فلولا وجود المعجزة لكثر ادعاء النبوة.
جاء في يوم من الأيام شخص إلى المأمون وقال له: أنا نبي، فقال له المأمون: للأنبياء معاجز فما معجزتك؟ فأجاب: أنا عندي معاجز كثيرة، وتكلم كثيرا حول ذلك، فقال له المأمون: أنا أكلفك بشيء بسيط. لدينا قفل هنا، فإن كنت نبيا فحاول أن تفتحه لنا. فقال له: أنا قلت لك بأنني نبي ولم أقل إنني حداد.
فإذن لا بد للنبي من سلاح، وسلاح الأنبياء الإعجاز، فيعطي نبيه موسى (عليه السلام) مثلا عصا تلقف ما يأفكون، فيعجز البشر عن الإتيان بمثلها، فلا بد من تسليحه بالمعجزة.