جزاء الإحسان – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ)
هذه الآية تعتبر من جوامع الكلم، وهي من الآيات الثلاث التي اتفق المفسرون على أنها تحمل ألف معنى وتفسير.
وهذه الآية هي من المستقلات العقلية ومن البديهيات التي يحكم العقل بحسنها، وقيل في العقل أنه نبي في الداخل، والنبي هو عقل في الخارج.
وكثير هي الأمور التي يحكم العقل إما بحسنها وإما بقبحها، مثل الخيانة والأمانة، فالأولى قبيحة والثانية حسنة، فالعقل يستقل بالحكم عليها دون الحاجة إلى تحسين وتقبيح الشريعة، ولذلك سميت بالمستقلات العقلية.
وفي مسألة الحسن والقبح، افترقت آراء المذاهب الكلامية بين المسلمين إلى رأيين:
الفريق الأول وهم المعتزلة والإمامية قالوا: الحسن ما حسنه العقل والقبيح ما قبحه العقل، فالأصل عندهم أن الله يأمر بالحسن لأنه هو بحد ذاته حسن، وينهى عن القبيح لأنه بحد ذاته قبيح.
والفريق الثاني وهو باقي المذاهب الكلامية من الأشاعرة وغيرهم قالوا: الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه، بمعنى آخر أن الله جل جلالة قد يأمر بفعل القبيح، وقد ينهى عما هو حسن.
والسبب في أنهم أتخذوا هذا الرأي في مذاهبهم حتى يبرروا لنظرية الجبر المتأصلة عندهم، والجبر قبيح عقلاً، لأنه ليس من العدل أن يجبر إنسان على فعل ثم يعاقب عليه.
وقد يشكل البعض منهم أن كثير من الأحكام لا يعلم هل هي حسنة أم قبيحة، والعقل لا يدرك ذلك، والجواب هو: أن كل الأمور التي أمر الله بها أو التي نهى عنها، لو كشف عن واقعها لحكم العقل بحسنها أو قبحها.
فالله تعالى أنزل الأحكام الشرعية عن طريق رسله عليهم السلام حتى يكمل النقص في الإدراك الموجود عند الإنسان، فكما أن البصر له حد يبصر به والأذن تسمع إلى حد معين كذلك العقل له حد يقف عنده ولذلك احتاج إلى من يكمل له إدراكه بما هو غائب عنه.