الحيل الشرعية وموقف الإسلام منها – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ)
إن دين الإسلام لم يأخذ موقفاً حاداً تجاه أي دين من الأديان، بل إن دين الإسلام كان ولازال منفتح على جميع الأديان، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال لبعض أصحابه: (ما فعل غريمك؟) قال: ذاك ابن الفاعلة، فنظر إليه عليه السلام نظرا شديدا، فقال: جعلت فداك، إنه مجوسي نكح أخته، قال عليه السلام: (أوليس ذلك من دينهم نكاح!؟).
ولكن الملاحظ أن أغلب آيات القرآن الكريم ومنها هذه الآية الكريمة عندما تتعرض لذكر اليهود، تأخذ منهم موقفاً حاداً، والسبب ليس كما يعتقد البعض أنه عداء للأديان، أو كما يدعي نفس اليهود أنه عداء للسامية.
ولكن السبب الحقيقي أن اليهود أنفسهم أخذوا موقف سلبياً تجاه جميع البشرية، فهم يعتبرون أن جميع خلق الله من حجر وشجر وحيوانات وبشر، كلها عبارة عن أشياء خلقت لخدمتهم، ولا يتعرفون بإنسانية أي أحد الناس، وكما هو معروف عن اليهود ادعاءهم أنهم شعب الله المختار.
وهذه الآية تتحدث عن اليهود الذين مسخهم الله قردة وخنازير، والسبب أنهم خالفوا أمر الله تعالى بأن اصطادوا يوم السبت، اليوم الذي حرم عليهم فيه العمل “واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ”.
فإن الله تعالى أمر أصحاب القرية بأن يتخذوا من يوم السبت عيداً لهم، يذكرون الله فيه ويتفرغون لعبادته ولا يمارسون فيه أي عملٍ دنيوي، وكان أهل القرية يعملون في صيد السمك، وبذلك كان الصيد مُحرماً عليهم يوم السبت.
فكانت الأسماك تكثر على الشاطئ يوم السبت دوناً عن باقي أيام الاسبوع، (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)، وعندها تحايل أهل القرية على أمر الله بأن وضعوا شباكهم ونصبوا الفخاخ للأسماك يوم الجمعة، فتأتي الأسماك يوم السبت وتقع في الفخ، ويجمعونها صباح الأحد.
فهم لجأوا لما يسميه البعض بالحيل الشرعية، فهم حسب الظاهر لم يصطادوا في سبتهم، ولكن الله لم يقبل منهم ذلك بسبب تحايلهم، وهذه الآية الكريمة توضح موقف الشريعة من الأحكام والفتاوى التي تنطوي تحت غطاء الحيل الشرعية.
فشرع الله وأوامره واضحة وبينه، ولا يجوز التلاعب فيها والتحايل عليها، كما بفعل البعض عندما يحاول الهروب من حرمة الربا فيخترع حيلة شرعية ليكون من حيث الظاهر لا يتعامل بالربا ولكنه في الواقع آكل للربا.
وخلاصة القول أن هذه التي تسمى بالحيل الشرعية وإن كانت تنطلي على عوام وبسطاء الناس، أو كانت تجعل المتحايل يعتقد أنه بريء الذمة من الحرام أمام الله تعالى، إلا أن هذه الحيل لا تنطلي على الباري عز وجل، وتبرء له ذمة.
مواضيع مشابهة
خير الزاد – 1006 – مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا