الخلق والإنشاء – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
رود في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام وشغف الأستار نطفة دهاقا وعلقة محاقا وجنينا وراضعا ووليدا ويافيعا ثم منحه قلبا حافظا ولسانا لافظا وبصرا لاحظا ليفهم معتبرا وليقصر مزدجرا، حتى إذا استوى مثاله وقام اعتداله نفر سادرا وخبط مستكبرا ماتحا في غرب هواه كادحا سعيا لدنياه…)
عندما يريد صانع أن يصنع شيئا لا بد وأن يمسه أو يمس ما يمسه، فإما أن يمسكه أو يمسك آلة تمسكه بالواسطة.
يريد الإمام عليه السلام أن يبين هنا بأن الباري عز وجل وهو أحسن الخالقين إذا أراد أن يخلق لا يحتاج إلى أن يمس شيئا، ولا يحتاج أن يمس ما يمسه، فنفس تعلق الإرادة بالمخلوق كافية في وجود المخلوق، فلا يحتاج إلى أن يمسكه بيده أو يمسك جهازا يمسكه (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون).
قد يعبر القرآن الكريم أحيانًا عن مسألة الخلق بأنه (خلقته بيدي)، وليس المعنى المقصود من اليد هنا اليد الجارحة، فعندما يقول أحدهم أنه صنع شيئا بيده فليس بالضرورة أن يكون قد أمسك به وإنما صار بأمره وبتوجيه وإرشاد منه، وكذلك الأمر هنا.
أمير المؤمنين سلام الله عليه يقول بأن هذه الظلمات الثلاث التي ينشأ فيها الجنين وهي ظلمة الرحم وظلمة المشيمة وظلمة البطن التي يتكون بداخلها الجنين، بمجرد أن تتعلق إرادة الله عز وجل به يتكون مباشرة دون أن يمسك.
يريد الإمام أن يلفت أنظارنا إلى نفوذ القدرة الإلهية مع وجود الحواجز.
والمقصود بالإنشاء في كلام أمير المؤمنين عليه السلام هو الإبداع، وبقليل من التأمل نرى أنه رغم خلق ملايين بل مليارات البشر منذ أن خلق نبينا آدم عليه السلام وحتى اليوم بنفس المواصفات ومن نفس الفصيلة إلا أنك لا تجد شخصين متشابهين تماما بنسبة مائة في المائة، ولا بد أن تكون هناك اختلافات بين هذا وذاك، ولا بد أن يكون هناك علامات تميز أحدهما عن الآخر، حتى بالنسبة للتوأم الحقيقي.
مواضيع مشابهة
الهدى والضلال في القرآن الكريم -5- الإعجاز الإلهي في خلق الإنسان