حقيقة عالم الموت – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ)
إن سورة ياسين تأخذ مكانة كبيرة في الروايات والأحاديث الإسلامية، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (اقرؤوا يس على موتاكم) وقال: (يس قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له واقرؤوها على موتاكم)، وروي عنه أنه قال: (من دخل المقابر فقرأ سورة يس، خفف عنهم يومئذ، وكان له بعدد من فيها حسنات).
والمستفاد من هذه الروايات أن الصلة بين الأحياء والأموات من الممكن أن تبقى، فمن الجفاء أن يدفن فرد أحد والديه ثم يقطعهم من إهداء الثواب والعمل الصالح لينتفعوا به في آخرتهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو صدقة تجري له، أو ولد صالح يدعو له).
فالعمل الصالح يستفيد منه الميت في قبره، وله من الآثار الكبيرة في تخفيف العذاب عنه أو في رفع درجته وتكثير حسناته، فعن الصادق عليه السلام أنه قال: يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء قال: ويكتب أجره للذي يفعله وللميت.
فقد ثبت عند العلماء أن الميت يتنقل من حياة إلى حياة أخرى، فقد روي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد الحناط، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك، يروون أن أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش، فقال: لا، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير، لكن في أبدان كأبدانهم.
فنحن نعلم أن الإنسان يفتقر إلى حواسه الخمس وإلى أطرافه وكامل بدنه، أما الروح فعلى الأغلب هي غنيه عن تلك الحواس، لأنه من غير المعلوم أن الروح تحتاج إلى تلك الوسائط للتواصل بعكس الإنسان في الحياة الدنيا فهو حتى يسمع ويتكلم ويتواصل مع المجتمع يحتاج لتلك الحواس والأطراف.
فالميت لو أذن له لكلم الأحياء، ولكن الكثير منهم يسمعون كلام الأحياء، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال عندما مر على المقابر: (السلام عليكم يا أهل القبور، أنتم لنا سلف، ونحن لكم خلف، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أما المساكن فسكنت، وأما الأزواج فنكحت، وأما الأموال فقسمت، هذا خبر ما عندنا، فليت شعري ما خبر ما عندكم؟) ثم قال: (أما إنهم إن نطقوا لقالوا: وجدنا التقوى خير زاد)