الأيادي المكرمة عند الله – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ)
إن هذه الآية أخبرت عما قاله فرعون للسحرة الذين آمنوا لموسى عليه السلام، حيث هددهم بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ولم يثنيهم تهديده لهم عن الحق إن كان قطع أيديهم في سبيل الله تعالى.
فالله سبحانه وتعالى كما كرم ابن آدم كذلك كرم يده إن كانت في موضع كريم، كيد الكاد على عياله، فقد روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله رأى يداً عاملة قد أثر فيها العمل، فقال صلى الله عليه وآله: إن هذه يد يحبها الله.
وكذلك اليد التي تدافع عن حرمة الإسلام وأرض وعرض المسلمين وهي اليد المجاهدة في سبيل الله تعالى المرابطة على ثغور الإسلام، فهذه يد يحترمها ويكرمها الإسلام.
وفي الإسلام اليد تقطع في موارد غير مشرفة كالسرقة، وذلك لأن اليد التي تمتد إلى ما لا تملك هي يد ملوثة أصبحت خطراً على المجتمع، ولذلك الحكم شروط منها: 1-البلوغ 2- العقل 3- الاختيار وعدم الاضطرار 4-ارتفاع الشبهة 5- أن يكون المال المسروق في حرز 6- أن لا يكون السارق أباً ، فلا يقطع الوالد لمال ولده. 7- أن تبلغ قيمة المسروق نصاب القطع وهو ربع دينار ذهباً خالصاً مسكوكاً بسكة المعاملة.
ومن تلك الموارد الغير مشرفة التي تقطع بها اليد هي “الحرابة” كما نزل الحكم في الآية الكريمة: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ)
أما الموارد التي تكرم بها اليد بمعنى أنها إذا قطعت شكلت عنوان مجد لصاحبها، هي اليد التي تقطع في سبيل العقيدة كما جاء في هذه الآية، فأول من سن سنة قطع الأيدي وصلب الناس هو فرعون.
ومن الأيادي التي قطعت وكرمها الله تعالى هي يدي جعفر بن أبي طالب، الذي قطعت يديه اليمنى واليسرى في معركة مؤتى وهو متمسك براية المسلمين التي كان سقوطها يعني الهزيمة لجيش المسلمين.
وقد شهد له النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بعدما استشهد في تلك الغزوة حيث قال: (إن الله أبدله يديه جناحين في الجنة يطير بهما حيث يشاء) وعرف بعد ذلك بجعفر الطيار.
ومن تلك الأعضاء التي قطعت في سبيل الله هي أعضاء ميثم التمار حيث طلب منه عبد الله بن زياد التبرء من أمير المؤمنين فرفض ميثم طلب بن زياد فقال له: لتبرأن من علي، ولتذكرن مساوئه، وتتولّى عثمان، وتذكر محاسنه، أو لأقطعن يديك ورجليك ولأصلبنّك، فبكيت، فقال له: بكيت من القول دون الفعل، فقال: والله ما بكيت من القول ولا من الفعل، ولكن بكيت من شك كان دخلني يوم خبّرني سيّدي ومولاي، فقال له: وما قال لك؟ قال: فقال ميثم: أتيت الباب فقيل لي: أنّه نائم، فناديت: انتبه أيّهاالنائم، فوالله لتخضبن لحيتك من رأسك.
وأنت والله لتقطعن يداك ورجلاك ولسانك ولتصلبن، فقلت: ومَن يفعل ذلك بي؟ يا أمير المؤمنين؟ فقال: يأخذك العتل الزنيم ابن الأمة الفاجرة عبيد الله بن زياد. فامتلأ غيظاً ثمّ قال له: والله لأقطعن يديك ورجليك ولأدعن لسانك حتّى أكذّبك وأكذّب مولاك، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه.
ثمّ أخرج فأمر به أن يصلب فنادي بأعلى صوته: أيّها الناس مَن أراد أن يسمع الحديث المكنون عن علي بن أبي طالب(عليه السلام)؟ قال: فاجتمع الناس، وأقبل يحدّثهم بالعجائب وخرج عمرو بن حريث وهو يريد منزله فقال: ما هذه الجماعة؟ قالوا: ميثم التمّار يحدّث الناس عن علي بن أبي طالب، قال: فانصرف مسرعاً فقال: أصلح الله الأمير بادر فابعث إلى هذا مَن يقطع لسانه، فإنّي لست آمن أن يغيّر قلوب أهل الكوفة فيخرجوا عليك، فالتفت ابن زياد إلى حرسه فوق رأسه فقال: اذهب فاقطع لسانه.
ومن تلك الأيدي التي قطعت ورفعها الله في عليين وجعلها مقدسة، يدي أبي الفضل العباس عليه السلام، حيث قال كلمته التي باتت إلى يومنا تملأ الأفاق: والله لو قطعتموا يميني إني أحامي أبدا عن ديني.
نعي مصيبة أبي الفضل العباس عليه السلام