عاقبة خيانة المسلمين – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(يَا أَيُّهَا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ)
نزلت هذه الآية بسبب كتاب كتبه حاطب بن أبي بلتعة لقريش يخبرهم أن النبي صلى الله عليه وآله يتجهز لغزوهم، فلما أخبره جبرائبل عليه السلام بالأمر أرسل أمير المؤمنين ومعه المقداد باللحاق بمن تحمل ذلك الكتاب لياخذوه منها، ثم دعا حاطب بن أبي بلتعة إليه فقال له: (ما هذا) فقال حاطب: لا تعجل علي إنما كنت ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسهم وليس أحد من أصحابك إلا له بمكة من يحميه ويخلفه في أهله غيري فأردت أن أتخذ عندهم يدا وما فعلته كفرا ولا إرتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام.
ففي هذه الآية وجه الله تعالى خطابه للمؤمنين ليس باعتبار أن من يخون عهد الإسلام لا يخرج من الإيمان، ولم تنزل الآية بوصف (الَّذِينَ آمَنُوا) لتبرر لحاطب ما فعله، لكن نزلت الآية لتحذر عموم المؤمنين من الوقوع بمثل هذه الشبهة.
إن المؤمنين مصلحتهم مصلحة مشتركة، فلا يظن أحد أنه قد يحصل منفعة في مقابل ضرر المسلمين، فمن يعادي المسلمين ككل لا يمكن أن يوالي أو يحب أحد منهم، فإذا أعان أحد المسلمين الكفار على المسلمين، فإن ما سبب من أذى للمسلمين سيعود عليه بالسوء والأذى.
ووضحت الآية الكريمة سبب عداوة الله للكفار، أنهم أولا أعداء ليس فقط للمسلمين وليس فقط لأنهم يلحقون بالمسلمين الأذى والضرر ويسفكون دمائهم، بل لأنهم أعداء للبشرية والعالم كله يأن من مكائدهم.
وثانيا إن أولئك الكفار هم الذين أخرجوا الرسول والذين أمنوا معه من مكة، وإنه ليس على الإنسان أمر أصعب من أن يخرج من وطنه، فكأنما الآية الكريمة تتعجب من حاطب بن أبي بلتعة الذي تعاون مع أولئك الذين أبعدوه عن وطنه وعن عائلته.
فكما ذكرت الأحاديث أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله عندما خرج من مكة قال وهو على مشارفها: (والله إنَّكِ لخير أرض الله وأحب أرض إلى ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك)
كذلك الحسين عليه السلام عندما خرج من المدينة خرج منها مكرهاً، ولم يدع ذكرى له فيها إلا وودعها وأول ما وعده هو قبر جده رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن وداع سيد الشهداء عليه السلام للمدينة يختلف عن وداع جده لمكة، فالرسول ودعها وهو يعلم أنه عائد إليها فاتحاً، أما الحسين ودع المدينة وهو يعلم أنه: (شاء الله أن يراني قتيلاً)
نعي مصائب السيدة زينب عليها السلام بعد عودتها لمكة.