الستر في الإسلام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)
إن الشريعة الإلهية عالجت قضايا الإنسان في الحياة وما بعد الممات، فهو في حياته له أحكامه وما بعد الممات له أحكامه أيضاً، فهذه الآية الكريمة تعد من أحد الأدلة على وجوب دفن الإنسان بعد الموت للحفاظ على كرامته بالستر لبدنه بعدما يتفسخ.
فقد روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال: (امتن الله على ابن آدم بثلاث بعد ثلاث: بالريح بعد الروح، فلولا أن الريح يقع بعد الروح ما دفن حميم حميما، وبالدود في الجثة، فلولا أن الدود يقع في الجثة لاكتنزتها الملوك وكانت خيرا لهم من الدراهم والدنانير، وبالموت بعد الكبر، وإن الرجل ليكبر حتى يمل نفسه ويمله أهله وولده وأقرباؤه فكان الموت أستر له).
وإن هذه الآية نزلت تروي قصة جريمة قتل قابيل لهابيل، حيث أن الله تقبل قربان هابيل لإخلاصه لله تعالى ولم يتقبل من هابيل، حيث أن الأول اختار قربانه أجود ما لديه من الأغنام، أما هابيل أختار أسوء ما لديه من القمح، وكانت هذه أول جريمة على وجه الأرض.
وقد عبرت الآية بالسوءة كناية عن العورة، فإن النظر إلى العورة تعد من الأمور التي يستنكرها الذوق والعقل، فهو رغم العداء والحسد في قلبه تجاه أخيه لكنه لم برضى على نفسه إلا الستر لأخيه وأن لا تظهر له عورته.
أما اليوم للأسف؛ تجد الفرد لا يستنكر على نفسه ولا على عرضه أن تظهر مفاتنهن أمام الأجانب، بل لا غيرة عنده تجاه عرضه أن ينظر إليه أحد نظرة ريبة، أو أن تذهب ابنته أو زوجته إلى المصمم الفلاني وإلى مصفف الشعر المشهور وكل ذلك بداعي السير مع الحداثة وبحجة تلبية مطلبات العصر.
فكيف تجد الرجل فيهم إذا هدد أحد مصلحته أو حاول أخر سلب ماله أنقض عليه كالأسد على فريسته، ولكن عندما يجد أبنه أو ابنته تنزلق إلى النار بمخالفتم لأوامر الله تعالى أو عدم الحرص على الستر ، لا يصدر منه أي ردة فعل ثم يقول هذه هي مطلبات العصر، والله تعالى يقول: (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا).
نعي مصيبة دفن الإمام الحسين عليه السلام وشهداء الطف