الحكمة من الاختلاف – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)
عند قراءة هذه الآية يخطر على بال أكثرنا هذا السؤال، أنه لماذا لم يجعل الله الناس جميعهم على ملة واحد ونمط تفكير واحد؟ والجواب هنا أن هذا الجعل يلزم منه الإجبار، فالله تبارك وتعالى أعطى كل فرد منا عقلاً يفكر به، فهذا العقل لو استفاد منه الإنسان بالشكل الصحيح لأوصله إلى الهداية، وإن لم يستفيد منه بالشكل الصحيح كما هو حال أغلب البشر فيتيهون بين مذاهب شتى في الاعتقاد والعمل.
ولو أجبر الله الناس على فعالهم لبطل الثواب والعقاب ولما عاد هناك حاجة للعقل طالما أن هناك من يفكر عنه ومن يحركه بلا إرادة، وإذا سلب من الإنسان إرادته سلب منه عقله وإذا سلب منه عقله سلبت منه إنسانيته.
وإن بعض الناس إذا سألته عن سبب انحراف سلوكه لأجابك بأن أغلب الناس على هذا الانحراف، ولكن هذا النوع من التفكير خاطئ، نعم إن التفكير الجمعي أو السلوك الجمعي له تأثير بالغ على الفرد ولكن هذا لا يمنع من أن الإنسان يملك الإرادة والحرية في تصرفاته، فلو فرضنا أن مجتمع غلب عليه ترك واجب أو فعل محرم فإن الالتزام بهذا الواجب أو ترك ذاك المحرم وإن كان صعبا في ظل هكذا مجتمع لكنه يبقى أمر مقدور عليه.
ومن جانب آخر إن الله لم يجعل الناس على أمة واحدة من حيث العلم والجهل والفقر والغنى والقوة والضعف، حتى يحتاج الجاهل لعلم العالم وتعليمه، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (ما أخذ الله ميثاقا من أهل الجهل بطلب تبيان العلم حتى أخذ ميثاقا من أهل العلم ببيان العلم للجهال، لأن العلم كان قبل الجهل).
وإن هذا التنوع في الخلق والعطاء هو الذي يسير أمور الحياة، بل هو الذي يعطي للدنيا رونقها وجمالها، فالله لم يخلق الأرض كلها سهولاً ولم يخلقها جبالاً بل جعل فيها السهل والجبل والبر والبحر، ونوع في الأشجار والثمار والنباتات والحيوانات، وكذلك أوجد التنوع بين البشر بالأطباع والميول والأفكار، فهل لك أن تتخيل الدنيا لو كانت على شكل واحد؟