فضل التصدق على الأرحام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
قال تعالى: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) [النساء: 8].
دلالة الآية الكريمة:
وردت هذه الآية في سياق أحكام الميراث، لكنها التفتت إلى من هم خارج دوائر الإرث: من اليتامى والمساكين وأولي القربى غير الوارثين. فجاء التوجيه القرآني باستحباب إشراكهم في شيء من القسمة، لا على سبيل الوجوب، بل من باب الإحسان والبر. وهنا يظهر سمو الإسلام؛ إذ لم يقف عند حدود تقسيم الأموال بالعدل بين الورثة، بل دعا إلى إرواء نفوس الآخرين بالفضل والكرم.
الحكمة من العطاء:
من المقاصد العميقة في هذا التشريع، أن حضور هؤلاء المستضعفين مجلس القسمة قد يثير في نفوسهم شعورًا بالحرمان أو الغبن، وربما يتولد حقد دفين. فجاء القرآن ليربي الورثة على السخاء، وليطفئ نار الحسد بالكلمة الطيبة أو العطاء اليسير. فالقليل من الرزق، أو حتى كلمة معروفة، كفيل بأن يحفظ القلوب من التنافر، ويصون صلة الرحم من الانقطاع.
الرزق بين العبد والرب:
الآية عبرت بلفظ: (فَارْزُقُوهُم)، والرازق في الحقيقة هو الله تعالى. لكنه سبحانه نسب الرزق إلى عباده ليشعروا بشرف المشاركة في هذا المقام، وليعلموا أن ما يملكونه ليس إلا وديعة من عنده، يؤدون منها حقه إلى عباده. فالإنسان يرزق غيره من محدود عطائه، بينما الله يرزق بلا حدود، والعبد يمنّ على المحتاج، بينما الله يعطي بلا منّة.
قيمة الكلمة الطيبة:
فإن لم يتيسر العطاء المادي – لكون التركة مثلاً أعيانًا لا تقبل القسمة العاجلة – فإن القرآن يفتح بابًا آخر للخير: (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا). أي خاطبوهم بالكلمة اللينة، وأحسنوا الاعتذار، ووعدوهم عند القدرة. فالكلمة الطيبة صدقة، وقد تكون أحيانًا أعمق أثرًا من العطاء المادي.
الصدقة على الأرحام مضاعفة الأجر:
التصدق على الأقارب يجمع بين فضيلتين: صلة الرحم و الصدقة، فيكون ثوابه مضاعفًا. وقد كان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يرون في السائل رسولًا يحمل زادهم إلى الله، فلا يردونه خائبًا، بل يرونه سببًا في قبول أعمالهم عند الله.
أثر اجتماعي وروحي:
إن العطاء لأولي القربى والفقراء لا يقتصر على سد الحاجة المادية، بل يزرع الطمأنينة ويشيع روح المحبة بين أفراد المجتمع، ويقوي أواصر القرابة. وهو في بعده الروحي يطهر النفس من الشح، ويربي القلب على السخاء، فيعيش المؤمن خشوع العطاء كما يعيش خشوع الصلاة.
الخلاصة:
التصدق على الأرحام ليس مجرد عطاء مادي، بل هو عبادة عظيمة تجمع بين أداء حق الله وحق القرابة، وتطهر القلوب من الأثرة والحرص. إن المؤمن حين يضع لقمة في فم يتيم من رحمه، أو يمسح دمعة فقير من أهله، إنما يعمر بها دنياه وآخرته، ويكتب لنفسه سطرًا مشرقًا في سجل الباقيات الصالحات.