الإمامة نص أم شورى؟ – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى)
إن أعضاء البدن تحتاج إلى العقل حتى يقودها ويسرها وينظم أمورها، وكذلك الأسرة على صغرها تحتاج إلى رب أسرة لنفس السبب، وذلك لأن البدن لو ترك بدون قيادة عاقلة تضرب حركته، فترى أعضاءه تتحرك بدون إرادة وتصرفاتها غير منظمة وطائشة، وكذلك الأسرة لو تركت بلا قيادة يخرب نظامها وينهدم كيانها.
ولهذا كل دولة وكل مجتمع يحتاج إلى رئيس وقيادة تنظم فيه القوانين وتضبط تصرفات أفرادها على وفق القانون، وتعمل على إدارة المجتمع بما يتلائم مع مصالحة، ولولا ذلك لعمت الفوضة والجريمة في المجتمعات البشرية ولانعدم الأمن والأمان، فالدين من أوائل الأمور التي عمل على إقامتها وتقويمها هي إدارة وقيادة المجتمع.
والمسلمون متفقون على أن الأنبياء هم الأولى بقيادة قومهم، بل هم أصلح الناس لقيادته، وقيادتهم للمجتمع هي بجعل وتعيين من الله، ولكن بعد رحيل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله انقسم المسلمون إلى قسمين: منهم من قال أن أمر القيادة أو الإمامة بعده هو بالشورى والإجماع بين أهل الحل والعقد، وقسم قال أنه كما النبوة جعل إلهي كذلك الله العالم بمصلحة عبادة جعل قيادة المجتمع أو الإمامة كذلك جعل إلهي.
ولكن الأدلة الحديثية على صحة أن الخليفة بعد النبي يتم تعيينه من الله تعالى بل إن الأحاديث التي وردت عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بالنص على خلافة وإمامة أمير المؤمنين علي عليه السلام كثيرة وبعضها بلغ حد التواتر.
فمنذ بداية الدعوة الإسلامية في حديث الدار نصب النبي علياً عليه السلام خليفة لأمته، فلما نزل قوله تعالى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم رجال عشيرته، ودعاهم إلى الإسلام ثم قال في حديث مطول رواه أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لبني عبد المطلب:
(يا بني عبد المطّلب ، إنّي قد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أنْ أدعوكم إليه ، فأيّكم يوآزرني على أمري هذا ويكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم عنها جميعاً فقلت وأنا أحدثهم سنّاً : يا نبيّ الله ، أكون وزيرك عليه قال : (فأخذ برقبتي وقال : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا).
ولا يزال النبي صلى الله عليه وآله في عدة أحاديث بعدها وعدة شواهد منها: أنه أباته في فراشه يوم اجتمعت قريش لقتله، ووكله بأداء آماناته قبل اللحاق به إلى المدينة، ومنها عندما خلفه على المدينة في حديث المنزلة، وفي غيرها من المواضع التي أكد فيها على خلافته عليه السلام سواء بالتلميح أو التصريح حتى أخذ منهم البيعة في غدير خم، والأحاديث التي روت تلك الواقعة وصلت إلى أعلى درجات التواتر.