آثار إعطاء الحقوق الشرعية – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)
إن كلاً من التنمية الاقتصادية والاجتماعية تحتاج إلى تربية النفس البشرية لكل فرد من أفراد المجتمع الواحد على الإنتاج وعلى العطاء، فلا يكفي للفرد إن كان منتجاً وذو فاعلية اقتصادية ألا يكون له أيضاً فعاليات اجتماعية.
إن الآية الكريمة نزلت لتعالج الأنانية والفردية التي كانت سائدة في ذلك المجتمع حينها، فكانت نظرة الناس حينها أن الرجل يكد ويتعب ويجمع الأموال فقط لنفسه وأولاده، وأن مسؤولية الفرد لا تتعدى أن تكون لمصلحته ومصلحة أبناءه، لذا جاء الإسلام ليحمل مسؤولية الفقراء على الأغنياء من خلال الحقوق الشرعية المفروضة والصدقات، لأن كل ثروة حصل عليها الفرد ما كانت لتكون لولا الجهود المتبادلة في المجتمع ولذا فالمجتمع له حق من تلك الثروة.
ومن ثم إن كل إنسان يمتلك أحاسيس ومشاعر وحب وبغض، ولذا فإحسان الإنسان إلى أخيه الإنسان يخلق نوع من الحب المودة وبالتالي يخلق لنا مجتمع مرتبط ومتجانس ومتين، فالنفوس جبلت على حب من أحسن إليها وعلى بغض من أساء لها.
والعكس صحيح كما أشارت له الآية الكريمة، فإن بخل الغني وحبسه للعطاء والحقوق الشرعية من ثروته، ترجع بالضرر على المجتمع وعلى نفسه من جهتين: أما الضرر الأخروي فهو معلوم، ومن ناحية دنيوية، فحبس الحقوق الشرعية وعدم إيصالها إلى مستحقيها يجعل الفقير معدوماً، لا لباس يستره ولا بيتاً يسكنه ولا طعاماً يأكله.
وهذا الأمر سيولد حقداً من الفقراء على الأغنياء، فالمجتمع إذا انقسم إلى متخوم ومحروم، صارت احتمال وقوع انتفاضة من الأغنياء على الفقراء أكبر، فلا يوجد دين ولا ضمير بشري يقبل أن يرى إنساناً لا يجد قوت يومه، وآخر يعبث بالمال كما يريد، والمجتمع متى ما وجد حاجاته الأساسية لم يعد يهمه الفروق المادية بينه وبين الأثرياء
ومن جهة أخرى المجتمع متى ما امتلك القوة الشرائية أصبحت حركة السوق والبيع والشراء أكبر، الأمر الذي يعود على الثري بالنفع المادي أيضاً ولذا قالت الآية: (بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ).