معاناة الدعاة إلى الحق – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
مقدمة
تعتبر معاناة الدعاة إلى الحق من الظواهر القديمة التي واجهها الأنبياء والمرسلون عبر التاريخ. هذه المعاناة ليست مجرد تحديات عابرة، بل هي جزء لا يتجزأ من مسيرة الدعوة إلى الحق. وهنا سنتناول بعض الجوانب المتعلقة بمعاناة الدعاة إلى الحق، مستندين إلى الآية الكريمة: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ).
معاناة الدعاة إلى الحق
الآية الكريمة تشير إلى طباع مشتركة بين كثير من الناس، وهي أنه إذا اصطدم الحق مع مصالحهم تراهم يلتوون على الحق بأي شكل من الأشكال، وإن لم يتمكنوا من الالتفاف حول الحق تراهم يعاندوه وينبذوه.
لذلك ترى أكثر أهل الباطل معاندون، حتى بعض المنتسبين للعلم منهم تراه يعرف الحق ولكن يصر على عناده إذا واجهته به، وليس لشيء إنما حرصًا على مصالحهم الشخصية.
وهكذا كان المشركون في قريش يعلمون أن تلك الأصنام لا تدفع عن نفسها ضرًا ولا تجلب لها منفعة، فضلًا عن أن تجب أو تدفع لغيرها، ولكن كانت تلك الأصنام مصدرًا يدر الأموال الطائلة على قريش. وهل يوجد تاجر يعترف بفساد بضاعاته؟!
ولم تتوقف قريش عند نكران الدعوة الحقة إلى التوحيد، بل حاربت النبي صلى الله عليه وآله بشتى الأشكال. فمرة يتعمدون أذيته جسديًا أو نفسيًا، ومرة يحاربوه معنويًا برمي التهم جزافًا بأنه ساحر أو شاعر أو غير ذلك.
وهكذا هو ديدن أعداء الحق في كل زمان ومكان. لذلك أخبر الله نبيه صلى الله عليه وآله في هذه الآية، أن المعاناة التي تتعرض لها في سبيل الدعوة للحق، عانى منها جميع الأنبياء والمرسلين، وسيعاني في سبيلها جميع الدعاة إلى الحق، وأن ظاهرة تكذيب الدعاة إلى الحق هي ظاهرة قديمة مستجدة.
عاقبة المعاندين للحق
في قوله تعالى: (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ…) أي أن الله تعالى قد أبطل حججهم أمام أهل الحق فقامت عليهم الحجة وانكشفت عنهم الغشاوة. فلما بقوا مصرين على الباطل (أَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ).
خاتمة
إن معاناة الدعاة إلى الحق ليست جديدة، بل هي جزء من تاريخ الدعوة إلى الله. هذه المعاناة تأتي نتيجة لمواجهة الحق مع المصالح الشخصية لأهل الباطل. ومع ذلك، فإن الله تعالى يعد الدعاة إلى الحق بالنصر والتأييد، ويؤكد أن العذاب سيأتي لأهل الباطل من حيث لا يشعرون. لذا، يجب على الدعاة إلى الحق أن يصبروا ويستمروا في دعوتهم، مستندين إلى وعد الله بالنصر والتأييد.