البحث حول قوله تعالى:(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)،الطيبون، الدكتور الشيخ أحمد الوائلي.
هل الذي يتوفانا هو ملك الموت أو الملائكة؟
إن ملك الموت هو جسم والجسم محدود بالمكان فلا يمكنه أن يكون في عدة أماكن في الوقت نفسه وقد يتوفى في الوقت نفسه عشرات الآلاف من البشر فلابد أن يكون له أعوان وهم الملائكة.
هناك للأسف الشديد محاولات من البعض في تأويل آيات القرآن بحسب أهوائهم وأغراضهم فلا يقبل تأويل آية (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) بدعوى أنهم لا بد أن يلتزموا بظواهر القرآن، ثم تراه يأتي إلى آية عامة ك:(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) فيحولها عن ظاهرها ويقول أنها نزلت في أبي طالب خاصة.
إن الفكر الإسلامي فكر عظيم لا يمكن أن يشوبه النقص أو أن يتهافت أمام النظرية العلمية، لأن الإسلام هو محض العلم والله سبحانه هو خالق العلم.
من هم الطيبون الذين عنتهم الآية الكريمة؟
إن الله سبحانه خلق الإنسان على الفطرة فترى الطفل قطعة بيضاء فيه استعداد للخير كما فيه استعداد للشر وهنا يأتي دور الأبوين في التأثير على سلوكه ودينه فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله:(كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى اَلْفِطْرَةِ وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ).
لا يوجد هناك شيء يسيطر على سلوك الإنسان وتصرفاته كالدين، فلا السلطة الإجرائية ولا كل وسائل الضبط الاجتماعي تستطيع أن تسيطر على الإنسان لأن هذه السلطات وهذه الوسائل تضبط سلوك الإنسان من خارجه والدين يضبطه من داخله.
إن المجتمع والإطار الاجتماعي له تأثير كبير على سلوك الإنسان وتصرفاته فتراه يتعلم من المجتمع إن لم يكن المجتمع سوياً، الغش والكذب والخداع وغيرها من الأعمال الخاطئة.
الطيبون هم الذين لم يتلوثوا بهذه الدنيا وحصلوا على تربية جيدة فخرجوا من الدنيا كما أتوا إليها.
الطيبون، صفاتهم وخصوصياتهم
وقد ذهب البعض إلى إن المشدودين إلى الدنيا الذين تعلقوا بممتلكاتهم المادية وبنوا عليه آمالهم وضاعفوا في الحصول عليها آلامهم سيخرجون من الدنيا ولم تطب نفسهم منها بخلافهم الطيبون الذين طابت أنفسهم عنها وخرجوا منها قبل أن يخرجوا منها!.
إن الباقي من الإنسان ماله الذي تصدق به أو صرح بناه لله أو نظرية علمية استفاد منها الناس أما غير ذلك فهو لا محالة آيل إلى الفناء وهؤلاء هم الطيبون.
إن أميرالمؤمنين عليه السلام كان يحفر الآبار ويزرع الأشجار المثمرة كالنخيل وغيرها فيوقفها في سبيل الله سبحانه وتعالى وكان كل ما يملك لله سبحانه من جسم ومال وفكر وغيره فأعطى الله كل ما يملك فاستحق بذلك تلك المكانة العظيمة التي يحتلها في النفوس.
إن من الناس من تسل روحه بسهولة شديدة ومنهم من يصعب عليه نزع الروح وقد يكون ذلك كفارة لذنبه حتى لا يخرج من الدنيا بذنب يعذبه الله عليه.
إن الإسلام أوصى باحترام الجميع على السواء وهناك حكم خاص في غير المسلم إذ لا يجوز قول السلام عليكم له كاملة بل يكتفى بقول:(سلام) هذا حال الكافر ولكنك للأسف الشديد ترى من يدعي الإسلام يخرج من منزله وأنت جار له فلا يسلم عليكم لمجرد أنك تخالفه في المذهب فهل هذا يمت إلى الإسلام بصلة؟
إن النبي الأكرم ص أمر بإفشاء السلام وهي تحية أهل الجنة وهي التي تقوي أواصر المحبة والاحترام بين المسلمين وقد ذهب البعض إلى أن لغة أهل الجنة هي اللغة العربية بناء على الآية الكريمة:(تحيتهم فيها سلام) من منطلق قومي، وما الضير في ذلك أن يكون لغة أهل الجنة مختلفة؟
إني قد قرأت كتابا وكان ملفتا وهو كتاب الخالدون المئة، فقد وضع المصنف النبي الأكرم صلى الله عليه وآله على رأس المئة ويعتقد أن التغيير العظيم الذي قام به النبي صلى الله عليه وآله لم يستطع أحد قبله ولا بعد من القيام به.
إن بعض الأبناء وجودهم نقمة للأبوين وسبب تعاستهم وقد يكون الولد رحمة كما ورد في الحديث الشريف:(إِذَا مَاتَ اَلرَّجُلُ اِنْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ – أي نظرية علمية ينفع بها الناس – وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ – أي الأبناء سيكونون سبب في ترحم الناس على الأبوين).
إن جميع ما نقوم به من أعمال وحسنات لا تعادل دخولنا لتلك الجنة العظيمة التي:(لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ) ولا تعادل رحمة من رحمات الله سبحانه بل هو تفضل من الله جل ثناؤه وهو يعطي من حيث هو لا من حيث نحن.
إن الحسين عليه السلام أعطى كل ما يملك في سبيل الله تعالى فماذا أعطاه الله بالمقابل؟
الطيبون، صفاتهم وخصوصياتهم