وراثة الأرض – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)
لقد ذكرت الآية الكريمة أن وراثة الأرض مكتوبة في الزبور من بعد الذكر، والزبور هو مجموع الكتب السماوية ورسالات السماء التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله، وقد دونت قضية وراثة الأرض وقضيت في الكتب السماوية للأنبياء عليهم السلام من بعد الذكر وهو اللوح المحفوظ.
إن كتب السماء ورسالاتها تحمل في طياتها حقائق وكنوزا علمية مبهرة، ولكن استخراج هذه الكنوز والاستفادة منها لا تتيسر لأي كان ما لم يكن على درجة من العلم والدين والإيمان، وإلا فإن من لا يفقه من الحديث شيئا أو إن كان معاندا للحق لا يبغي الهدى فهو لا يصلح لتلقي هذه الكلمات الربانية وإلقائها على خلق الله ليستفيدوا منها، فمثل هذه النماذج وجدت على مر تاريخنا وعاثت في التاريخ والعلم والدين فسادا واختلط الحابل بالنابل ولم توصل إلينا الرسائل الصحيحة التي أراد الله سبحانه إيصالها لنا عبر كتبه ورسالاته.
وقد أشارت الآية إلى وراثة الأرض، ومثل هذه الآية تحتمل عدة معان وليست كبعض الآيات المحكمة التي لا تحتمل إلا معنى واحدا ولا تحتمل التأويل كقوله تعالى (قل هو الله أحد)، فلا يختلف اثنان في أن هذه الآية تشير إلى وحدانية الله وبأن الله واحد أحد.
لكن آية وراثة الأرض هذه اختلف المفسرون والعلماء فيها، فقسم قال إن المقصود بالأرض هي أرض الجنة، وذلك صرف للآية عن ظاهرها عبر تخصيص العام بسبب اصطدامه مع الواقع، فلا يعقل أن القرآن يأتي بما هو مناف للحقيقة، وذلك لأنه من المعلوم أن الأرض هذه ليست دائما بيد الصالحين من عباد الله، بل إنها غالبا بيد شرار خلقه.
أينما وليت وجهك رأيت أعداء الله من الكفار والمشركين هم من يملكون الأرض، وفي الواقع فإن عباد الله الصالحين هم أقل الناس حظا ونصيبا من هذه الأرض، وتجدهم ملاحقين أينما حلوا منذ فجر التاريخ وحتى اليوم.
وهناك قسم ذهب إلى أن المقصود بوراثة الأرض هي أرض القدس وبيت المقدس التي ستعود إلى أصحابها وأهلها المسلمين طال الزمن أو قصر، ونسأل الله أن يفتح هذه البلاد لتعود إلى أهلها عما قريب.