أهوال يوم الحشر – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)
يتحدّث الباري عز وجل في هذه الآية حول يوم الحشر والهيئة التي يحشر عليها الناس، وقد اختلف المفسرون بين قائل بأن الآية موجهة إلى المشركين وآخر يقول بأنها موجهة لعموم الناس وليست إلى فئة دون أخرى.
يرى جماعة من المفسرين أن تفسير مطلع الآية الذي يتحدث عن الهيئة التي يحشر عليها الناس بأنهم يحشرون فرادى هو مبالغة في عقابهم، فمن المعلوم أن التفريد هو أحد العقوبات المغلظة في القانون الجنائي، فهناك من يرتكب جريمة خطأ أو مضطرًا، وهناك من يرتكب جريمة عن عمد وقصد وسبق إصرار وترصد كما في التعبير القانوني، بل هناك من يرتكب جريمة لأجل ارتكاب أخرى وهذا يعد أوقح أنواع الجرائم.
ولذا فإن الدافع وراء الجريمة له دور في تحديد نوع العقوبة، ولذلك فإن بعض الجرائم يعاقب مرتكبوها بالسجن الانفرادي بدلا من السجن الجماعي لما له من وقع وأثر نفسي هائل على صاحبه، فالإنسان اجتماعي بطبعه، وإن تجريده من هذه الحرية يترك أثرا نفسيا شديدا عليه يفوق أثر العقوبة الجسدية والألم الجسدي الذي قد يتعرض له.
وذهب فريق آخر من المفسرين إلى أن الهيئة التي يحشر عليها الناس يوم القيامة ليس هو ما تقصده الآية وإنما تريد إثبات المعاد النفساني أو المعاد الروحاني ونفي المعاد الجسماني.
ويدعي أتباع هذه النظرية بأن الروح هي من تقترف الذنوب والآثام في هذه الدنيا فلماذا قد يعاقب الله جسدا يتغير كل يوم وتحترق خلاياه وتتبدل في اليوم والليلة؟
وهذا المعنى لم يقبل به جمهور المفسرين وعلماء المسلمين، فالجسد يحشر كما هو بجميع أجزائه وأعضائه، بل ذكرت بعض الروايات أن الشهيد يحشر كما استشهد، وإن كل جرح وكل ضربة تلقاها في سبيل الدفاع عن الحق هو بمثابة شهادة فخر وعز له.
وذهب فريق آخر من المفسرين إلى أن معنى الهيئة التي يحشر عليها الناس هو أنهم يحشرون دون إضافات ودون ألقاب، فمالك الدار ومالك القصر ومالك الكوخ كلهم يحشرون بنفس الهيئة، ومعالي الوزير وفخامة الرئيس وسمو الأمير كلهم يحشرون دون ذكر ألقابهم.