ما هو حبل الله؟ – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)
استخدمت الآية الكريمة لفظة الحبل لتقريب الذهن إلى ما يريده الله تعالى، وهذا المنهج استخدمه القرآن في عدة مواضع للتسهيل في إيصال المعلومة والفكرة بشكل يوقع أثراً في قلب القارئ أو السامع للآية، فأن يشرح أحد فكرة باللفظ أو الكتابة لا يكون لها الوقع البالغ كوقع ما لو مثل لتلك الفكرة، وهذا أسلوب القرآن الكريم كما هو الحال في هذه الآية.
أما عن حبل الله تعالى في الآية، بعض المفسرون قالوا أن المقصود منه الإسلام، ولكن يشكل آخرون أنه: كيف يخاطب من هو مسلم بالدخول في دين الإسلام وهو بالأصل مسلم؟ والجواب هو: أن الأمر بالاعتصام بالإسلام وجه للمسلمين بقصد العمل بأحكام الإسلام، فقد تجد على سبيل المثال من يقرأ القرآن ويصلي ويقرأ أحاديث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وروايات أئمة أهل البيت عليهم السلام وهو من الناحية العملية لا يطبق هذه التعاليم في حياته.
وعلى رأي مفسرون آخرون أن حبل الله المراد منا الاعتصام به هو ولاء آل محمد عليهم السلام، فقد ذكر العلامة السيوطي عند تفسير هذه الآية في كتابة الدر المنثور: أخرج أحمد عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله عز وجل حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض”.
وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إني لكم فرط وإنكم واردون عليّ الحوض، فانظروا تخلفوني في الثقلين قيل: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الأكبر كتاب الله عز وجل. سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به لن تزالوا ولا تضلوا، والأصغر عترتي وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، وسألت لهما ذاك ربي فلا تقدموهما لتهلكوا، ولا تعلموهما فإنهما أعلم منكم” .
وما المراد بالتمسك مجرد الحب، وإن كان حب آل محمد واجباً ولكن المقصود هو طاعتهم وأخذ علوم الديم منهم، فالتمسك بأهل البيت عليهم السلام لو اجتمع عليه كل المسلمون لانتهوا إلى وحدة في الرأي ولأصبحوا على قلب رجل واحد لا يكسرهم عدو ولا يجرؤ أحد على النيل منهم، وهذه هي طبيعة الوحدة، فكيف بهذه الوحدة إن كانت بحبل من الله تعالى؟
فكما قالت السيدة الزهراء عليها السلام في خطبتها الفدكية: (طاعتنا نظاماً للملة و إمامتنا أمانا من الفرقة) لذا فالتمسك بأهل البيت عليهم السلام ليس فقط يوحد المسلمين، بل يجعل هذه الوحدة على نور من الله تعالى فليس أدرى بمصلحة الأمة أكثر من الله، والله تعالى أخبر النبي صلى الله عليه وآله بما هو فيه مصلحتهم، وما من أحد في الدنيا أدرى بسنة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وتأويل القرآن الكريم أكثر من أهل البيت عليهم السلام.