قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

ما هو حبل الله؟ – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

تستخدم الآية الكريمة تشبيه الحبل لتقريب المعنى إلى أذهان البشر، لأنّ التصوير والمثال دائمًا أقوى أثرًا من الشرح المباشر. فالإنسان بطبيعته يتفاعل مع الصورة قبل الكلمة، ومع التشبيه قبل التعريف. وهذا الأسلوب القرآني البديع يتكرر في مواطن كثيرة ليحمل القلوب إلى الفهم العميق، كما هو الحال في قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾.

ومن هنا يبدأ السؤال الكبير: ما هو هذا “الحبل” الذي يأمرنا الله بالتمسك به؟

 

معنى حبل الله في القرآن الكريم

تفسير يرى أن “الحبل” هو الإسلام: فقد ذهب بعض المفسرين إلى أنّ حبل الله هو دين الإسلام نفسه. وهنا يرد سؤال منطقي: كيف يخاطب الله المسلمين بأن يعتصموا بالإسلام وهم مسلمون بالفعل؟

والجواب أن المطلوب ليس مجرد الانتماء، بل العمل الحقيقي بأحكام الإسلام.

كم من الناس يصلّون ويقرأون القرآن ولكن لا يطبقون تعاليمه، وكم من شخص يملك تراثًا من الأحاديث لكن سلوكه شيء آخر تمامًا.

إذن، الاعتصام بالإسلام يعني: حياة كاملة تُبنى على أوامر الله، لا مجرد شعائر تُمارس من غير روح.

 

حبل الله هو أهل البيت عليهم السلام

تفسير آخر يرى أن حبل الله هو ولاية آل محمد: فقد وردت روايات عديدة—من مصادر أهل السنّة أنفسهم—تُثبت أن “حبل الله” يشير إلى أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله.

ومنها ما رواه السيوطي في الدر المنثور: (إني تاركٌ فيكم خليفتين: كتاب الله… وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض).

وكذلك ما رواه الطبراني عن زيد بن أرقم: (كتاب الله… وعترتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض… فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تعلموهما فإنهما أعلم منكم).

هذه الروايات تُعطي معنى دقيقًا:

أن القرآن وحده دون سنّة النبي الصحيحة، ودون المرجعية المعصومة لأهل البيت، يبقى عرضة للتأويل والتحريف والفهم القاصر.

 

هل التمسك مجرد محبة؟

الحب وحده لا يكفي:  فمحبة أهل البيت عليهم السلام واجبة، لكنها ليست المقصود من كلمة التمسك.

المقصود هو: الأخذ بأقوالهم، والاقتداء بسيرتهم، واتباع منهجهم في الفهم والعمل والسلوك.

فلو تمسّك المسلمون جميعًا بعلومهم ووصاياهم، لعاشوا على قلبٍ واحد، ولما انقسمت الأمة إلى مذاهب متعارضة وصراعات طويلة.

وهذا المعنى أكدت عليه السيدة الزهراء عليها السلام في خطبتها الفدكية: (طاعتُنا نظامًا للملّة، وإمامتُنا أمانًا من الفرقة).

فالوحدة التي تقوم على نور الهداية الإلهية ليست وحدة شكلية، بل وحدة تُبنى على الحق، وعلى العلم، وعلى معرفة الطريق الصحيح.

 

لماذا أهل البيت هم الحبل الأقوى؟

لأنهم الامتداد الحقيقي لسنة النبي: لا أحد أعلم بسنّة النبي وباطن القرآن من أهل البيت عليهم السلام، فهم الامتداد المعصوم للرسالة.

وقد أخبر النبي الأمة أن النجاة تكون في التمسك بهما معًا: الكتاب + العترة = الحبل الإلهي الكامل.

ولو تأمّل الإنسان قليلاً لوجد أن كل معنى للسلام، والرحمة، والعدل، والحكمة… مُجتَمِع في سيرتهم ومواقفهم.

 

وفي الختام: الاعتصام بالحبل الإلهي طريق للخلاص الفردي ووحدة الأمة

حبل الله ليس مفهومًا جامدًا، بل هو طريق حيّ يوصل إلى الله: هو دين الله وشريعته، وهو القرآن الكريم، وهو النبي وآل بيته الطاهرون، وهو منهج الطاعة والاتباع والنجاة.

فإن الاعتصام بهذا الحبل يجعل الأمة أقوى من أن تُكسَر، وأوعى من أن تُخدَع، وأقرب إلى الله من أن يضلّها هوى أو يفرّقها شيطان.

 

مواضيع مشابهة

مناهل معارفية – 18 – القرآن والعترة

ولائيات أهل البيت (ع)