الرقابة الذاتية – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ)
إن الأية الكريمة شملت في حكمها على جنس الإنسان بأنه على نفسه بيصرة، ولكن في الواقع هذا الحكم لا يتصف به جميع البشر، فقد يلتبس على البعض منا أن الإنسان هو نفسه الآدمي ولكن الواقع غير ذلك.
فالإنسان هو ذلك البشري الآدمي الذي يتلبس بوصف الإنسانية، وما نراه في كثير من البشر من تصرفات وأفعال وحشية لا يمكن أن نطلق على صاحبها وصف الإنسان، فذلك البشري الوحشي بأفعاله هو في واقعه ذئب أو ثعلب على هيئة إنسان.
فالمجتمع إذا أراد أن يصبح متحضراً عليه أن يقوم بتربية أفراده على الأخلاق والمثل العالية، فالدول المتحضرة لا يمكن لها أن تضع رقيب على كل إنسان إن لم تكن أخلاقه وتربيته هي من تردعه عن الرذائل وعن الأفعال الوحشية الدنيئة، فالإنسان إذا عاش في مجتمع متربي أخلاقياً يبقى يشعر بالأمان حتى لو رفعت عنه الرقابة القانونية.
ومعنى أن (الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) أي هو أدرى بتكليفه وما يتوجب عليه، فمثلاً المريض الذي يقدر على الصيام بدون حرج لو أجمعت الدنيا على جواز إفطاره وهو يرى بنفسه القابلية للصيام لكان إقراره على نفسه هو الحجة.
في رأي آخر معناه أنه على الإنسان أن لايقتنع بمبررات لا يؤمن هو بصحتها، فقد سأل أحدهم عبدالله بن عمرو بن العاص عن سبب خروجه لحرب أمير المؤمنين عليه السلام وهو يعلم بحديث (علي مع الحق..) فقال مبرراً لنفسه: إن الله قد أمرني بقتاله! قالوا له كيف ذلك؟ فقال: ألم يأمرني الله بطاعة الوالدين وإن أبي أمرني بقتال علي بن أبي طالب!…
فالإنسان الذي يلتمس لنفسه مبررات لا يعتقد هو بصحتها، ويعلم أن حججه التي برر بها أفعاله أو أقواله أمام الناس هي واهيه وإن صدقه الآخرون، فالإنسان قد يكذب على غيره ويلتمس حججاً مقنعه ولكنه لا يمكن أن يكذب على نفسه فهو (عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ).