قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

تحريم الخمر في الإسلام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

يُعد تحريم الخمر في الإسلام من أبرز التشريعات التي شكّلت تحوّلاً جذريًا في المجتمع الجاهلي، حيث كان شرب الخمر متجذرًا في العادات اليومية ويُنظر إليه كمظهر من مظاهر الترف واللهو. ومع أن الخمر كان شائعًا في الجاهلية، فقد جاءت الشريعة الإسلامية لتحرره من هذا الإدمان تدريجيًا، بأسلوب تربوي متدرّج يتماشى مع الطبيعة البشرية.

قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ سورة المائدة، الآية 93

هذه الآية المباركة نزلت -كما بيّن عدد من المفسرين- في جماعة من الصحابة الذين شربوا الخمر في فترات مبكرة من الإسلام، أي قبل نزول آية التحريم القطعي. فكانت بمثابة رفع للحرج الشرعي عنهم، وبيان أن ما فعلوه قبل التشريع لا يترتب عليه إثم طالما أنهم آمنوا واتقوا وأحسنوا بعد ذلك.

الخمر في المجتمعات القديمة

لم يكن الإسلام هو أوّل من تعامل مع ظاهرة الخمر، بل كانت تلك العادة منتشرة منذ العصور السحيقة، حتى باتت جزءًا من الطقوس الدينية في بعض المجتمعات. وقد فسّر بعض علماء الاجتماع هذا الانتشار بما يسمونه “رغبة الإنسان في الهروب من واقعه المؤلم”، لكن هذه الرغبة لا تبرر تعاطي مادة تضر بالعقل والجسد والدين والعلاقات الاجتماعية، بل وتُفقد الإنسان توازنه الأخلاقي والعقلي.

مراحل تحريم الخمر في الإسلام

جاء تحريم الخمر في الإسلام على أربع مراحل تشريعية:

المرحلة الأولى: بيان وجود أضرار في الخمر مع منافع محدودة: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ (البقرة: 219)

المرحلة الثانية: النهي عن الصلاة حال السُّكر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى﴾ (النساء: 43)

المرحلة الثالثة: التحذير من مجالس الخمر واللعب: مع الإشارة إلى أن الخمر من عمل الشيطان.

المرحلة الرابعة: التحريم القطعي والنهائي: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾ (المائدة: 90)

هذا التدرج كان رحمة من الله، ليتهيأ الناس نفسيًا وعمليًا لترك عادة كانت مترسخة في ثقافتهم اليومية.

الافتراءات التاريخية على أهل البيت

للأسف، حاول بعض المؤرخين من ذوي الميول السياسية والطائفية أن يلصقوا شرب الخمر بشخصيات طاهرة كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. فادعوا -كذبًا وزورًا- أنه صلّى بالناس سكران وأخطأ في تلاوة القرآن، مستندين إلى روايات موضوعة ومقطوعة السند.

والحال أن القرآن الكريم شهد بعلم أمير المؤمنين ونقائه وعدالته، كما شهد بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله في عشرات الأحاديث المعتبرة. ومن غير المعقول أن يُتهم الإمام عليه السلام بشرب الخمر وهو من قال فيه النبي: “أنت مني بمنزلة هارون من موسى”، ومن نشأ في بيت النبوة وعلى عين رسول الله.

موقف الصحابة وسؤالهم بعد نزول آية التحريم

بعد نزول آية التحريم القطعي، جاء بعض الصحابة إلى النبي يسألونه عن حال إخوانهم الذين ماتوا وهم يشربون الخمر قبل التحريم، هل يُحاسبون؟ فأجابهم النبي صلى الله عليه وآله بأن ما قبل التشريع لا حرج فيه، لأن الحساب إنما يكون بعد البلاغ والبيان، مصداقًا لقوله تعالى:

﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ الإسراء: 15

الخاتمة: الإسلام دين الوقاية والإصلاح

لقد جاء الإسلام بمنهج واقعي في محاربة العادات السيئة، وحرّم الخمر ليس فقط لتحصين الفرد، بل لحماية المجتمع كله من الانهيار الأخلاقي والصحي والاجتماعي. ولم يكتف بالنهي، بل قدّم البدائل النفسية والروحية، من خلال تعزيز الصلاة، والتقوى، والذكر، وحسن الصحبة، والعقلانية في التعامل مع الهموم.

مواضيع مشابهة

المنبر العميد – 421 – آثر حلية الطعام على الفرد

أحاديث في النهي عن الأكل على مائدة يشرب عليها الخمر