قانون الزوجية العامة – د. الشيخ أحمد الوائلي
(وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى)
الخلق يأتي بمعنى التقدير، والزوج يطلق على المُشاكل فالفرد الذي له فرد من جنسه يشاكله يقال له زوج، وتأتي الزوجية بالمعنى الجنسي أي الذكر والأنثى، وكلا المعنيين تتضمنهما الآية الكريمة، وهما الزوجان اللذان يخرج منهما النسل ويحافظ بهما على بقاء الجنس البشري.
هناك من يحاول الاعتراض على حكمة الله من خلق الزوجين وعملية تكون النسل وتناسل البشر عبر الزوجين، فيتساءل بعضهم قائلا: لماذا يصعب الله علينا الأمر ولم يجعل التناسل كبعض المخلوقات التي تنشأ من التراب أو تنشأ من انقسام خلوي أو كسائر الحيوانات التي تضع بيضها فتفقس فراخها وتنهض لتعيش وحدها دون عناء أمها وأبيها ودون كل تلك الصعوبات والعوائق التي تواجهها أي أسرة ترزق بطفل؟
إن هذا السؤال غير جائز في نفسه، فهو اعتراض على حكمة الله وتساؤل ليس في محله، وليس من الحكمة السؤال عن حكمة الأمور والله أرحم بنا من أنفسنا، وإن الله أرحم من الأم بولدها، والله تعالى هو من خلقنا وهو أعلم منا بأنفسنا ويعلم ما هو خير لنا وما هو في صالحنا. إلا أن هناك حكمة ظاهرة من الزوجية في البشر وهو نشوء علاقة قوية وأواصر وطيدة بين الزوجين الذكر والأنثى، وهي إن وجدت في سائر المخلوقات غير البشر فهي ضعيفة ولا تقارن ولا تقاس بنظيرتها في البشر، فتتشكل العواطف والعلاقة القوية بين الزوجين بل بين الأب والأم والطفل وهو ما تؤكده دراسات علم النفس الحديثة.
إن الطفولة من أهم فترات حياة الإنسان، ولا تكتمل أي حياة بدونها ولا معنى للحياة دون وجودها، فالطفولة ترطب أجواء الإنسانية وهي جنة الدنيا، فالطفل صفحة بيضاء بريئة تجعلك تخرج قليلا من عالم الكبار المليء بالحسد والحقد والبغض والشحناء.
ولذلك على الإنسان أن لا يقف حجر عثرة في وجه قانون الزوجية هذا وأن يجعل الأمور تسير في مسارها الطبيعي دون عوائق، لكن ومع كل أسف هناك في المجتمع العديد من الظواهر الاجتماعية التي تقف في وجه تحقق الزوجية بسلاسة وسهولة ويسر، ومن ذلك غلاء المهور ورفع أسعارها، وهذا ليس من الدين ولا الإسلام في شيء، فلم يأمر الله بإعطاء المهر للمرأة بهدف المتاجرة بها أو رفع سعر المهر لضمان سعادتها، فإن أموال الدنيا كلها لو أعطيت مهرا لن تجلب سعادة ولن تفضي إلى حل المشاكل الزوجية.
ومن هذه العوائق بعض ألوان البهرجة والتفاخر الاجتماعي من قبيل إقامة حفل الزفاف في مكان معين وتقديم أنواع فاخرة من المأكولات والمشروبات وجلب المغني الفلاني ليغني في حقل الزفاف إلى ما هنالك من الأمور التافهة التي لا طائل منها ولن تؤثر في السعادة الزوجية ولو بقيد أنملة.
ومن أكبر العوائق التي تحصل في مجتمعاتنا خصوصا هي العوائق الأسرية أو العشائرية أو القبلية، ففلان لا يزوج ابنته من ابن عشيرة فلان لأنها أقل منهم شأنا أو لأن هذه العشيرة على علاقة غير حميدة مع تلك، أو فلان لا يزوج ابنته من ابن فلان لأنه أقل منهم شأنا وأفقر حالا، وما هذه بمعايير ولا موازين تؤخذ عند التزويج والزواج، فنبينا الأكرم يقول بصريح العبارة في نص الحديث: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
وفي مجتمعاتنا والمجتمعات الأخرى هناك عائق أمام الزوجية هو العرقية، فكل عرق وكل قومية تعتقد بتفوقها على الأعراق والقوميات الأخرى، وكأن دمها يختلف عن دم غيرها، وكأن الله اصطفاهم وفضلهم على العالمين، والحال أنكم كلكم لآدم وآدم من تراب.
كل تلك المعايير والموازين التي يعمل بها المجتمع لا مكان لها في الشرع والإسلام، فلا غنى الزوج أو الزوجة أو حالتهما المادية ولا موقعهما الاجتماعي أو عرقهما أو قوميتهما لها دخل في تحديد ما إذا كانت الزوجية ستتم أم لا، أهم ما ينظر إليه هو الأخلاق والدين ولا شيء غيرهما، فمن كان حسن الخلق وكان دينه لا يخالف دينك فلتزوجه منه، فلا يتزوج المؤمن من مشركة ولا مشرك من مؤمنة.
والزواج ضرورة لكثير من شبابنا اليوم، فعصرنا اليوم مليء بالمغريات في كل مكان من الفضائيات التي تبث كل ما هب ودب، وفي الشارع ترى مظاهر العري، وأينما نظرت وجدت المغريات أمامك، لذلك فمن الواجب تزويج الشباب العزب بأسرع وقت لنصونهم ونحفظ دينهم وعفتهم، وهناك الكثير من الشباب تقف مثل تلك العوائق الاجتماعية المصطنعة في وجه زواجهم واستقرارهم في الحياة. فلنفرح قلب نبينا الكريم بتزويج شبابنا وصونهم وحفظهم وحفظ مجتمعاتنا من كثير من الآفات التي تظهر بسبب العزوف عن الزواج أو تأخر سن الزواج أو عدم القدرة عليه، فلنسهل الأمور ولنعبد الطريق أمامهم ولنا من الله الأجر والثواب.
مواضيع مشابهة
نحو حياة دافئة – 8 – بداية الحياة الزوجيّة ومواجهة التحديّات