مسؤلية القضاة – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)
نزلت هذه الآية في حادثة جرت عند يهود المدينة، حيث أن أحد نساء كبراء قومهم ارتكبت فاحشة الزنا وهي محصنة، فنظراً لمكانة تلك المرأة الاجتماعية قرر قضاة اليهود تخفيف الحد من الرجم إلى الجلد، فوقع بينهم الاختلاف فقرروا اللجوء إلى النبي صلى الله عليه وآله ليحكم بينهم، وعندما حكم بما جاء في شريعتهم وهو وجوب رجمها خرجوا رافضين لحكمه فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
وهذا المعنى لا ينطبق فقط على اليهود، بل على كل قاضي، لم يضع نصب عينيه خشية الله عز وجل في إصدار حكمه، وأخذته الاعتبارات الاجتماعية للأشخاص وكال في حكمه بمكيالين، وفي أولئك القضاة جاء الحديث النبوي يقول: (إنما هلك الذين ممن كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه أخذ رجلا من بني أسد في حد وجب عليه ليقيمه عليه، فذهب بنو أسد إلى الحسين بن علي عليهما السلام يستشفعونه، فأبى عليهم، فانطلقوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام فسألوه فقال: (لا تسألونني شيئا أملكه إلا أعطيتكموه)، فخرجوا مسرورين فمروا بالحسين عليه السلام فأخبروه بما قال، فقال: (إن كان لكم بصاحبكم حاجة فانصرفوا فلعل أمره قد قضي)، فانصرفوا إليه فوجدوه صلوات الله عليه قد أقام عليه الحد، فقالوا: أولم تعدنا يا أمير المؤمنين؟! قال: (قد وعدتكم بما أملك وهذا شئ لله لست أملكه).
وقوله تعالى: (وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً) معناه النهي عن الرشوة، فلا يحكم القاضي ولا يفتي من هو في منصب الفتوى في حكم يتلاعب فيه أو يغير من حكم الله تعالى في مقابل أجر مادي كان أو معنوي، فإن متاع الدنيا قليل ولا بد للمرء من يوم يرجع فيه إلى ربه ويقف بين يديه، فلا تستحق الحياة أن يبيع الإنسان آخرته لأجلها.