الدنيا والآخرة – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا)
قد لا يعرف الكثير من الناس حقيقة العلاقة الموجودة بين الدنيا والآخرة من وجهة نظر التفكير الإسلامي، فقد يتصور بعضهم أن في المسألة استقطابا، بمعنى أن الذي يتجه للدنيا لا بد أن يترك الآخرة، ومن يتجه للآخرة لا بد أن يترك الدنيا، وأن الدنيا والآخرة خطان متوازيان لا يلتقيان، والأمر ليس كذلك فإن التفكير الإسلامي ليس تفكيرا طوباويا أو خياليا وإنما هو منبثق من صميم الواقع.
فالدنيا والآخرة مرحلتان من المراحل التي تمر فيها الروح في مسيرتها، وكل مرحلة يمر فيها الإنسان تتكيف روحه وفقها، فهناك مرحلة الدنيا ومرحلة البرزخ ومرحلة الآخرة.
ومن ناحية أخرى فإن الإنسان وضع في هذه الدنيا من دون اختيار منه.
يقول الخيام في إحدى رباعياته:
لبست ثوب العيش لم أستشر وجرت فيه بين شتى الفكر
وسوف أنضي الثوب عني ولم أعلم لماذا جئت أين المقر
فهو يقول إنني عندما لبست هذه الروح وهذا الجسد لم يكن كذلك باختياري وإنما فتحت عيني على الدنيا فوجدت نفسي مخلوقا فيها وسوف أواجه الحياة بخيرها وشرها.
لقد ألقتنا الأقدار في خضم هذه الأمواج، ولكن علينا أن لا نقف موقفا سلبيا من هذه الأمواج، وإنما علينا أن نتفاعل معها، إذ لا يسعنا أن لا نتفاعل معها، فالجميع يحتاج إلى الرغيف، فلا بد أن يعمل للحصول عليه ويحتاج إلى العلاقة الاجتماعية فيندمج في المجتمع ولا يسعه أن يجلس في غرفة منعزلا عن الناس، فهو يتفاعل مع كل أبعاد الحياة شاء أم أبى.
فلا يمكن للدين أن يقول للإنسان انعزل عن الناس وعطل طاقاتك ولا تعمل، وسم هذا اللون من الانعزال زهدا، فهذا فرار من الحياة وانطوائية لا يقرها الدين بحال من الأحوال، فالله تعالى خلق الإنسان وشده إلى أبعاد مختلفة، إلى الجانب الفكري والجسدي والاجتماعي، وأراد منه أن يشتغل بهذه الأبعاد كلها، وقد تدخل التشريع الإسلامي بكل صغيرة وكبيرة.
