التوسعة على العيال – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)
إن هذه الآية الكريمة من آيات الأحكام، وترتبط ارتباطاً مباشراً بالأسرة، والمسؤول عن الإنفاق عليها هو الزوج، وتختص هذه الآية بمسؤولية الزوج تجاه زوجته سواءً زوجته الفعلية أو المطلقة بالطلاق الرجعي، لأن هذه المطلقة بالطلاق الرجعي لا تزال في عصمته حتى تنقضي العدة، وبإمكان الرجل أن يراجع زوجته خلال هذه العدة.
فالإنسان عندما يجمع الثروة وترفع يده عنها برحيله عن الدنيا إنما تذهب لأولاده وزوجته وورثته بشكل عام، ولذا أمرت الآية بالإنفاق والتوسعة عليهم لما للتقتير على العيال مع القدرة على الإنفاق من آثار سلبية على الأسرة، ومن هذه الآثار:
أن التقتير على الأبناء يوجب انحرافهم، فنحن في هذا الزمان كثرت متطالبات الفرد، ففي السابق كان الفرد لا يحتاج لأبنائه سوى مصاريف الطعام والسكن واللباس أما الآن مع تعدد وسائل الرفاهية وتحول الكماليات إلى ضروريات كبرت المسؤولية على الأب، وعدم تلبية رب الأسرة لهذه المتطلبات المستحدثة تولد عند الولد حاجة للانحراف حتى يقدر على تحصيلها.
والتشريع الإسلامي عندما يرى ثغرة تسبب انحراف الفرد مباشرة يأمر بسدها، ومن ثم إن التوسعة على العيال موجبة للرزق، فعن الإمام الصادق عليه السلام: (والذي بعث محمداً صلى اللة عليه وآله بالحق نبيا، إن الله عز وجل يرزق العبد على قدر المروءة، وان المعونة على قدر المؤونة، وان الصبر لينزل على قدر شدة البلاء على المؤمن).
وإن التوسعة على العيال من الأخلاق الحسنة التي شجع عليها الإسلام، وفي النهاية إن الرجل إنما يجمع المال والثروة لأجل عياله، وطالما أنه يعمل لأجل عياله فاليوسع عليهم في حياته، بما لا يجعلهم منحرفين، فكما التقتير يؤدي إلى الانحراف، إعطاء الولد كل ما يطلب يؤدي كذلك إلى الانحراف.
أما من ليس عنده القدرة على التوسعة على العيال ورزقه محدود، فالآية الكريمة تأمره أن ينفق حسب قدرته، وليس عليه أن يستدين أو يستجدي الناس ويريق ماء وجهه لأجل تلبية مطلبات عياله، فالدين هو ذل بالنهار وهم بالليل، ثم ختم الآية ببشرى للصابرين (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا).