عظمة الزواج عند الله – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً)
نزلت هذه الآية لتعالج أحد رواسب العادات المقيتة التي كانت عند الجاهلية، فالعرب قبل الإسلام إذا مات أحدهم وكانت له زوجة من غير أم الأولاد تعطى للأبن الأكبر للميت على أنها تركة، وهذا إن شاء تزوجها وإن شاء زوجها لغيره مقابل أن يأخذ مهرها.
والإسلام عندما تحدث عن الزواج أصبغ عليه نوع من القداسة ولم يعطي هذه القداسة لأي من العقود الجارية بين الناس، وموضوع المهر هو ليس كالمعاوضة التي تجري في عقود البيع، فهو ليس تعويض مادي مقابل إعطاء الجسد، ولذا قال الباري عز وجل: (وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا).
والإسلام أراد من تحريم هكذا نوع من النكاح أن يرتقي بمستوى الأسرة عن هكذا نوع من العلاقات، ويقدس العلاقة بين الأب وابنه، وأن يقدس فراش الأب، ولذا أنزل زوجة الأب منزلة الأم، والعلاقة مع ضجيعة الأب فيها نوع من الدنس ومن احتقار العلاقة بين الابن وأبيه.
وقوله تعالى: (مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم) فما هنا اختلف الفقهاء في تفسيرها، فمنهم من قال أنها مصدرية ومنهم من قال أنها بمعنى الذي، وعلى القول بأنها مصدرية يصبح معنى الآية النهي عن الطريقة التي كان أباؤكم ينكح بها، أي صيغة عقود النكاح التي كانت تجري في الجاهلية، وعلى القول أنها بمعنى الذي يصبح معنى الآية النهي عن نكاح زوجات الأب.
وقوله تعالى: (إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) لأن الإسلام يجب ما قبله، فكل نكاح جرى قبل نزول هذه الآية وتحريم الإسلام لنكاح زوجة الأب عفى عنه الإسلام وأبقاه على ما هو عليه، أما ما بعد نزول الآية فلا يحل لأحد نكاح زوجة الأب، وقد رأى بعض الفقهاء حرمة نكاح حتى موطوءة الأب، أي لو وطء الأب امرأة سواء وطء شرعي أو محرم أو شبهة فتحرم تلك المرأة على ولدة.
وقوله تعالى: (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً)، ومعنى الفاحشة هو كل ما يتفاحش قبحة، أي كل ما هو شديد القبح شرعاً يسمى فاحشة، لأن هذا النوع من النكاح يتصادم مع الطبع السليم أولاً، وينشر حالة من العهر بين الأسرة ثانياً، فلا يوجد أقدس من الأم في عالم الماديات، وزجة الأب تنزل منزلة الأم.