هل القرآن صالح لكل زمان ومكان؟ – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)
الآية الكريمة نزلت رداً على قريش عندما قالوا: (أننا لسنا بحاجة إلى رسالة سماوية لتحل لنا مشكلاتنا، فنحن لدينا عقول بإمكاننا باستخدامها أن نتغلب على المشاكل التي تصيبنا)، وفي عصرنا الحالي ظهر أناس يدعون أنهم مفكرون ليطرحوا نفس الإشكال على الإسلام ولكن بطريقة أكثر تهذيباً.
فقال البعض منهم: أن القرآن نزل ليعالج مشاكل كانت موجودة في عصر الجاهلية منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، واليوم نحن نمتلك تقنيات معاصرة حديثة وقادرين أكثر على تشخيص صلحتنا ومستلزمات عصرنا، فلا معنى أن نجعل من القرآن مرجع تشريع مع الفارق الزمني بين عصر النزول وعصرنا الحالي والفارق الذهني بين المجتمع الجاهلي والمجتمع الحال المعاصر.
والجواب على هذا الإشكال هو التالي: أولاً، إن أي تشريع يختاره الإنسان إن لم يكن تشريع إلهي فهو حتمنا تشريع بشري، أي وضعه إنسان، وهذا الإنسان مهما بلغ من القدرات الذهنية والتجربة العملية فهو حتما محدود القدرات والعلم، أما التشريع الإلهي فهو مصدره مشرعة إله غير محدود القدرات والعلم والاطلاع الكامل والشامل على منافع خلقه أجمعين.
ثانياً، إن الإنسان ينتمي إلى طبقة اجتماعية وإلى ثقافة محلية، والعلم أثبت أن كل إنسان يتأثر بطبقته في طريقة تفكيره وفي سلوكه، وهذا التأثر حتما سينعكس على قلمه عندما يخط دستور يلزم به جميع طبقات مجتمعه وجميع أصحاب الثقافات الأخرى.
ثالثاً، إن التشريع الغير إلهي لا يبعث في النفوس وجوب الإلزام، فالإنسان عندما يعلم أن مشرع القانون بشر مثله يثير في نفسه اعتراض على هذا التشريع إن خالف مصلحته، ولكن عندما يعلم أن هذا تشريع السماء تجده يسلم له بدون اعتراض، وفي الوقت نفسه يبعث في نفسه وجوب الإلزام وإن غابت عنه رقابة القانون لأنه يعلم أن رقابة المشرع موجودة.
ومن ناحية التطبيق فلا يوجد قانون ولا دستور ولا نظام حكم في العالم إلا وفي ثغرات قانونية والناس تشتكي من الظلم الواقع عليهم بسبب تلك التشريعات أو تلك الثغرات القانونية.