(وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون)
إن الله لا يأمر بالفحشاء – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
إن التاريخ يعيد نفسه، فالطبيعة الإنسانية هي واحدة لا تتغير بتغير الظروف والأزمان إلا بشكل طفيف، فالناس كالناس والأيام واحدة.
وكان المجتمع الجاهلي يعاني من انحرافات عقائدية وفكرية كبيرة قبل مجيء الإسلام، وهذا ما عبر عنه القرآن بأنه فاحشة، فكانوا يئدون بناتهم وهن أحياء خوف العار، وكانوا يتعاملون فيما بينهم بالربا وبصنوف من البيع فاسدة، وكانت العلاقات الأسرية متفككة غاية التفكك.
وكانوا إذا أبطأ عليهم المطر جاؤوا بعدة بقرات وبنبات يدعى السلع والعشر يطلونه بالنفط ويشدوه بأذناب البقر ويوقدون النار ويوجهونها إلى جهة المغرب ويتصورون أن المطر سيهطل عليهم بهذه الطريقة.
فهذا الانحراف الفكري والسلوكي والعقائدي هو من الفواحش، وإن الله لا يأمر بالفحشاء لو كانوا يعلمون.
ومن تلك الفواحش الغريبة التي كانوا يرتكبونها طوافهم بالبيت الحرام عراة، والسبب الذي يسوقونه لفعلهم هذا هو شدة احتياطهم كما يدعون لئلا يكون في لباسهم شيء من الحرام، فبحسب زعمهم من غير الممكن أن لا يكون خيط من خيوط لباسهم ليس فيه شيء من الحرام.
وهذا لعمري من أغرب الحجج، وإن الله لم يأمر بهذا اللون من التشدد الذي لا معنى له، فكل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام، فلا يجوز لنا أن نتشدد في دين الله إلى هذه الدرجة وذلك للوصول إلى نتيجة واضحة البطلان وهي فاحشة مبينة، فالتعري فاحشة لا لبس فيها، وإن الله لا يأمر بالفحشاء، فكيف تطوفون بالبيت وأنتم تعصون رب البيت؟
وقد انتشرت ظاهرة العري في العالم اليوم أكثر من أي وقت مضى، وامتدت حتى مجتمعاتنا اليوم، فقد أصبحنا نشهد مشاهد لا تليق بالإسلام والمسلمين في مجتمعاتنا، وأصبح شيئا متعارفا طبيعيا غير نشاز، ولم يعد أحد يشكل عليه بل أصبح جزءا من الحياة اليومية.
ويأتي الناس ليشتكوا الكوارث والبلايا التي يحلها الله بنا يوما بعد يوم، متناسين حقيقة بأنهم نسوا الله فنسيهم، فمن يعصي الله ولا يعبأ بحدوده فليتوقع كل بلاء يحل به.
وكان أول تعليل يسوقه المشركون على عاداتهم وأفعالهم وفواحشهم هو أنهم وجدوا آباءهم عليها فأخذوها منهم، والحال أن الآباء مع كامل الاحترام لهم والتقدير لكنهم ليسوا معصومين عن الزلل والخطأ وقد يقعون في أخطاء كثيرة، فلا ينبغي لنا أن نستدل بما فعلوه على أنه صحيح حتما، بل يجب أن نعمل العقل لنميز الخبيث من الطيب.
والتقليد الأعمى لم يأت يوما بنتيجة، والله منحنا العقل لكي نفكر به ونميز الصحيح من الخطأ والحق من الباطل.
أما التعليل الثاني وهو الأخطر هو أنهم كانوا يعتبرون ما يفعلونه دينا، وبأن الله يأمر به، والحال أن الله لا يأمر بالفحشاء، ومن أين لهم العلم بأن الله أمر بذلك؟ فلا دليل لديهم على ذلك.
إن الدين عند الله الإسلام، والإسلام لا يمكنه أن يدعو إلى الفحشاء وإلى الرذيلة، وإن ما يقومون به لا دليل عليه، وهو من اختراعهم وأراجيفهم.
وهكذا جميع الأديان التي أنزلها الله على النبيين من قبل، فمسيحية عيسى ويهودية موسى وحنيفية إبراهيم عليهم السلام لا يمكن أن تدعو إلى الفحشاء، وكما يقول تعالى: (إن الله لا يأمر بالفحشاء).