شرائع الأنبياء – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين)
قد يتساءل بعضهم بأن النبي صلى الله عليه وآله بماذا كان يدين قبل ظهور الإسلام؟ ويظهر من مجموع الروايات أنه كان يدين بحنيفية إبراهيم كما كان بعض من العرب في زمن الجاهلية كعبد المطلب وغيرهم.
ولكن هناك فرق بين الأديان والشرائع، فالأنبياء كلهم على عقيدة واحدة لا تتغير وهي الاعتقاد بالله ووحدانيته وتنزيهه واتصافه بصفات الكمال، لكن شرائع الأنبياء مختلفة، فلا يمكننا أن نضع شريعة إبراهيم الخليل عليه السلام ليعمل بها الناس على زمن موسى الكليم عليه السلام، كما لا يمكننا وضع شريعة موسى عليه السلام في زمن عيسى المسيح عليه السلام.
ولكن يشكل بعضهم بنفس الإشكال على الشريعة الإسلامية، فيقولون بأنه إن كانت شرائع الأنبياء تتغير بتغير الظروف والأزمان، فكيف بقيت الشريعة الإسلامية إلى الآن شريعة ثابتة ولا يجوز تغييرها رغم مرور ألف وأربعمائة عام عليها؟ لماذا لا تتغير شريعة الإسلام كما تغيرت شرائع الأنبياء من قبل ونسخت؟
يمكن الإجابة عن هذا الإشكال بأن شريعة الإسلام لم تأت بشريعة جامدة لا تواكب سوى العصر الذي نزلت فيه، فالإسلام قدم لنا قواعد مرنة قابلة للتطور والتحديث.
فمثلا يقول سبحانه في كتابه الكريم: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، وهذه قاعدة كلية عامة تأمرنا بأن نتعاون أينما وجدنا البر والتقوى ولا نتعاون فيما فيه إثم وعدوان.
كما يقول تعالى: (إن الله يأمر بالعدل) وهذه تصلح لأن تكون قاعدة عامة في كثير من ميادين الحياة، فنحن مأمورون من قبل الله بأن نعدل، والعدل هو وضع الشيء في موضعه وإعطاء كل ذي حق حقه، وهي قاعدة نفتقد إليها في مجتمعاتنا البشرية اليوم كثيرا.
كما أن هناك مفاهيم فطرية ثابتة لا يمكن أن تتغير مهما تغيرت الأزمان ومهما تحولت الظروف، فحلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة.
ومثال ذلك الغدر والسرقة والكذب، فكل هذه الأمور تعتبر من الأمور التي يذمها العقل ويستقبحها مهما اختلف الزمان والمكان، فلا يأتي عصر يصبح فيه الغدر حسنا أو السرقة والكذب ممدوحين.
وقد نزلت هذه الآية الكريمة في المدينة حينما كان يحاجج المسلمون اليهود فكانوا يقولون لهم كيف تأكلون لحم الإبل وألبانها وأنتم تدعون أنكم على ملة إبراهيم الخليل؟ والواقع أنه غير محرم في شريعة إبراهيم عليه السلام بل حرمه إسرائيل على نفسه وهو يعقوب عليه السلام، فاتبعه بنو إسرائيل وهم اليهود تعصبا منهم، وإلا فإن الله لم يحرم لحم الإبل في أي شريعة من شرائع الأنبياء.
وجاء القرآن في هذه الآية ليوضح لليهود بأنهم ليسوا على ملة إبراهيم الخليل، وإنما فعلهم هذا هو مجرد تعصب منهم لنبي الله يعقوب عليه السلام الذي حرم الإبل على نفسه ولم يشرعه لغيره.