دين الله – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون)
تتحدث الآية عن استبدال جماعات من الناس دين الله بدين آخر من اختراعهم وليس من عند الله، ووجه الاستنكار والاستغراب في الآية هو أنهم كيف يبتغون دينا من عند أنفسهم وهم ناقصون؟ الإنسان مخلوق ناقص ومحتاج وغير كامل، وعندما يبحث الإنسان عن دين فإنه لا شك يبحث عن أفضله وأكثره كمالا لكي يحل له مشاكله ويكون قانونا كاملا لحياته، لكنه عندما يطلب الدين من غير الله فهو يطلبه من مصدر غير كامل ويفتقد إلى الكمال، أما دين الله فهو دين كامل لأنه يأتي من الكمال المطلق.
يحكى أن الإسكندر المقدوني كان مارا بجيشه الجرار بكامل عدته وعتاده وكان رجل وسط الصحراء يصلي ويعبد الله، وعندما مر جيش الإسكندر من جانبه لم يعبأ به وكأن شيئا لم يكن، إلى أن وصل إليه الإسكندر بنفسه فقال له: أما رعتك كثرة جنودي؟ فقال: لا، فسأله عن السبب فقال: لأنني كنت أناجي من هو أكثر منك جندا. فأعجب الإسكندر بمنطقه، وأراد جعله مستشارا له، لكن الرجل العابد اشترط عليه فقال: أتبعك بشرط أن تهبني حياة لا موت معها وصحة لا سقم معها وسرورا لا غم معه، فإن كنت تقدر على ذلك فأنا بين يديك.
استغرب الإسكندر من شروط الرجل وقال: بالطبع لن أستطيع توفير ذلك لك، ولو كنت أقدر لفعلت ذلك لنفسي. فقال الرجل الصالح: أنا مع من يقوى على ذلك، فكيف أنضم إلى صفوفك وأنا معه؟
ومن الناس من يبغي غير دين الله بشكل علني صريح، فهو يصرح بأنه لا يريد دين الله لأنه أكل الدهر عليه وشرب ولم يعد يصلح لهذا الزمان ونريد دينا جديدا يتماشى مع متطلبات العصر وما شاكل ذلك، وهذا اللون من البشر في الحقيقة يريد هدم الدين من الخارج، وهو لا يؤمن بدين أصلا بل يؤمن بالمادة ولا شيء غيرها.
وهناك صنف آخر من الناس يؤمن بدين الله لكنه يريد تغيير الدين وحرفه عن مساره ومبادئه من الداخل، وهذا هو الصنف الأخطر من بينهما لأن عدو الداخل مميت وفتاك أكثر من عدو الخارج، وكما تقول الرواية الشريفة عن إمامنا الحسين عليه السلام السلام: (إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون).
ومن بين هذا الصنف من الناس من يحكم عاطفته في الحكم على رموز دين الله، ومن أكبر هؤلاء الرموز وأعظمهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو يقف حجر عثرة في طريق الكثير من مدعي الدين والحرص عليه لكنهم في الواقع يرومون تدمير الدين وهدمه من الداخل، فرجل بقامة أمير المؤمنين عليه السلام ومبادئه ومثله لا يمكن أن يوصف بما يصفه به هؤلاء لولا أن كان في أنفسهم شيء ضده وضد دين الله.
ولكن لا يمكنهم أن يزيحوا قامة من حجم أمير المؤمنين عليه السلام بهذه السهولة وبشكل صارخ، فيعمدون إلى تشويه صورته بطرق متعددة، منها تكفير والده أبي طالب عليه السلام من خلال روايات ضعيفة سندا ومتنا لا مجال للخوض فيها.
ولو فرضنا جدلا بأن أبا طالب مات مشركا أو كافرا، فمن من الصحابة لم يكن أبوه مشركا ومات كافرا؟ لعله لا يوجد أحد من كبار الصحابة يسلم من ذلك، ومنهم الوليد والد خالد بن الوليد الذي نزلت في حقه آيات كثيرة في ذمه ولعنه، ولكن التركيز لا ينصب سوى على أبي طالب عليه السلام لأن الهدف واضح وهو تشويه صورة ابنه عليه السلام الذي لم ينهض الإسلام إلا بسيفه.
ومن خلال هذه الشبهة وغيرها أرادوا تشويه صورة أمير المؤمنين عليه السلام في الأذهان ولكن هيهات لهم ذلك، فهو رغم شتمهم لسنين طويلة له على منابر المسلمين وكل المكذوبات المروية ضده لم يزدد إلا ألقا وسطوعا في سماء دين الله الإسلام.
وتتحدث الآية عن إسلام من في السماوات والأرض لله طوعا وكرها، والإسلام هنا بمعنى الانقياد، وقد فسر بعضهم هذا المقطع من الآية بأنه يعني الملائكة وهم أهل السماء الذين أسلموا طوعا لله بسبب تكوينهم من عقل محض، ولذلك فهم لا يقدرون سوى على التسليم لله.
أما أهل الأرض فقد أسلموا بقوة السيف، وهم من تقصدهم الآية بأنهم أسلموا لله كرها.
وقسم آخر من المفسرين ذهب إلى أن المعنى هو افتقار جميع الموجودات إلى واجب الوجود وهو الله سبحانه، فنحن جميعنا من الممكنات المفتقرة والمحتاجة في وجودها إلى واجب الوجود وهو الوجود المطلق، بمعنى أن وجودنا هو بعلة على عكس الله الذي وجوده واجب ولا يحتاج إلى علة.
وبعض المفسرين تحدث حول إسلام الناس على عهد النبي، فمنهم من أسلم طوعا ومنهم من أسلم كرها، ومن المعروف أن جماعة كبيرة من الصحابة لم يسلموا خوفا من الله وحبا في دين الله وإنما لأهواء ومطامع دنيوية، ومنهم من أسلم بالسيف، وليسوا كلهم سواسية في هذا المجال.