آداب التعامل مع النبي صلى الله عليه وآله – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم)
عكست هذه الآية المباركة وهي في مطلع سورة الحجرات حالة المجتمع في زمن النبي صلى الله عليه وآله وكيفية تعاملهم مع النبي صلى الله عليه وآله، وهي تحكي لنا بأنهم لم يكونوا يتقنوا آداب التعامل مع النبي صلى الله عليه وآله.
وتمارس مختلف الشعوب طقوسا مختلفة لأداء الاحترام لكبارهم وعظمائهم، فمنهم من يلوح بيده من بعيد، ومنهم من يومئ برأسه ومنهم من يؤدي التحية لفظا، ومنهم من وصل حد الإفراط فكان يركع ويسجد لسيده وأميره.
وإن الصلاة التي نؤديها كل يوم هي جمع لكل أشكال التذلل والخضوع والاحترام تلك، فترانا نحرك أيدينا ونلوح بها ونركع ونسجد لله تعبيرا عن خالص احترامنا وخضوعنا للبارئ عز وجل.
وهناك قسم من المجتمعات يتعاملون بغلظة وبداوة، وهذا ما كان عليه المجتمع الجاهلي قبل الإسلام، وفيه نزلت هذه الآية المباركة.
وجاء في سبب نزول هذه الآية هو أن وفدا من بني تميم ومعهم الأقرع بن حابس والزبرقان بن بدر الذي كان شاعرا، وكان للشعراء في الجاهلية مكانة عظمى في الجاهلية لكونه الخط الأول في الدفاع عن أعراض القبيلة وكرامتها وتبني قضاياهم وتطلعاتهم، وكان الشعر عندهم يرفع ويضع
ودخل هذا الوفد من بني تميم مع شاعرهم وخطيبهم إلى مسجد النبي صلى الله عليه وآله، ووقف أحدهم وصاح بمنتهى الغلظة: يا محمد اخرج إلينا! وليست تلك من آداب التعامل مع النبي صلى الله عليه وآله.
أراد النبي صلى الله عليه وآله تهذيب هذا المجتمع وتأديبه ليكون أهلا لحمل رسالة الإيمان وأهلا لإنشاء أكبر حضارة في العالم، فأراد تعليمهم آداب التعامل مع النبي صلى الله عليه وآله.
وقد كان النبي صلى الله عليه وآله يعامل كلا بحسبه ولم يكن يعامل الجميع بنفس الطريقة، فكان يأتي إلى بعضهم بالعقل والإقناع، وقسم كان بحاجة إلى أن تمشي على قدر عقله، وقسم كان يأتيهم بالمال والمتاع فيدخلون الإسلام. ومع دخولهم بهذه الطريقة فإن ذلك أفضل من أن يبقوا مشركين، فدخول الإسلام بأي وسيلة أفضل عند النبي صلى الله عليه وآله من البقاء على الشرك والكفر، فكان صلى الله عليه وآله لا يوفر وسيلة ولا يألو جهدا في سبيل نشر الإسلام.
وعندما جاء وفد بني تميم بدأ خطيبهم بإلقاء خطبته والحديث عن مجد قبيلته والتفاخر بها ونسبها وجودها وكرمها، ثم خرج شاعرهم يلقي قصيدة في مدح بني ملته والثناء عليهم.
وبعد أن انتهوا عاملهم النبي صلى الله عليه وآله بالمثل من باب أخذهم على قدر عقولهم، وإلا فإن مثل هذه الطريقة ليست من شيم النبي صلى الله عليه وآله وهي دون المستوى الذي يريده رسول الإسلام، لكنه أخرج إليهم ثابت بن قيس خطيبا فخطب فيهم خطبة عصماء، ثم أخرج حسان بن ثابت الشاعر المعروف فألقى قصيدته، وعندما سمع القوم ذلك أذعنوا وأقروا بأن خطبة وقصيدة أصحاب النبي صلى الله عليه وآله خير من خطبتهم وقصيدتهم، فدخلوا الإسلام على إثر ذلك.
أراد النبي صلى الله عليه وآله من ذلك أن يدخلوا الإسلام، ثم يعرفهم على آداب التعامل مع النبي ومع الله سبحانه من خلال الصلاة وتهذيبهم بها وبما يفرضه الإسلام عليهم.
وإن السلوك المهذب للنبي صلى الله عليه وآله قد نجح في أكثر من موضع في هداية عدد كبير من الناس إلى الإسلام بسبب رؤيتهم لكرم أخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسمو نفسه، وهذا الأمر يدعو أي شخص لاحترام صاحبه، ولذلك تعلم المسلمون بعد ذلك آداب التعامل مع النبي صلى الله عليه وآله.
ويقول المفسرون في تفسير هذه الآية التي تتحدث عن آداب التعامل مع النبي صلى الله عليه وآله هو أن المقصود بها عدم التقدم على الله ورسوله واقتراح شيء على ما اقترحه النبي صلى الله عليه وآله.
وقد ذكر القرطبي في تفسيره هو أن سبب نزول هذه الآية هو أن النبي صلى الله عليه وآله لما أراد الخروج إلى معركة خيبر استخلف أحد أصحابه على المدينة لإدارة شؤونها في غيابه، فاقترح عليه عمر بن الخطاب شخصا آخر غير ما اقترحه النبي صلى الله عليه وآله، فنزلت هذه الآية لتعلم المسلمين آداب التعامل مع النبي صلى الله عليه وآله.
وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وآله الذي لا يترك المدينة لأيام معدودة دون أن يستخلف أحدا عليها لإدارة شؤونها، فكيف به يترك أمة المسلمين كاملة دون أن يستخلف أحدا من بعده بعد وفاته؟ فمن يرى النبي صلى الله عليه وآله يتصرف بهذا التصرف عليه أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وآله لا يمكنه بحال من الأحوال ترك الأمة دون تعيين خليفة له من بعده، وإن ما جرى في رزية الخميس واختلاف أصحاب النبي عنده يكشف عن أن النبي صلى الله عليه وآله أراد تعيين خليفة لو أن أصحابه لم يختلفوا عنده.
كما يمكن استنتاج حكم من هذه الآية المباركة وهو أن أي قول وأي حكم يصدر بخلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وآله فهو حكم باطل، ولكنك ترى مع ذلك ذات الشخص يقول بصريح العبارة بأن النبي حلل كذا وأنا أحرم وأعاقب عليه، ولا يلتزم بآداب التعامل مع النبي صلى الله عليه وآله ويحدث في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله الكثير دون أن يعترض عليه أحد من الصحابة إلا قليلا.