بقرة بني إسرائيل – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين)
يروي القرآن الكريم هذه الحادثة التي حدثت في بني إسرائيل، وهي حادثة جرت مع أحد أثرياء بني إسرائيل حيث كان قومه وأولاده يستبطئون موته أي يتحينون الفرصة وينتظرون موته لكي ينقضوا على ثروته وميراثه، وكان هؤلاء من ضمن الورثة الذين لهم سهم من الإرث، ولم يكن هذا الثري على علاقة طيبة بأولاده وقومه، فلم يكن يعطيهم من ماله وكان يمنعهم منه.
وهذه الحادثة التي رواها القرآن تتكرر في كل زمان ومكان، وإنما يروي القرآن أمثال تلك القصص كمثال يتكرر عبر الأزمان، والهدف أخذ العبر واستخلاص الدروس.
وكان باستطاعة هذا الرجل الثري من بني إسرائيل أن يعطي قومه مما أعطاه الله فيستميل قلوبهم وهو واجب عليه، فالتوسيع على العيال من أهم الواجبات وهو من أنواع الجهاد كما ذكرت الروايات، فالكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله.
وبعد أن طال بذلك الرجل العمر فقام قومه من بني إسرائيل بقتله لأنهم كانوا على عجلة من أمرهم للانقضاض على إرثه، ولما قتلوه جاؤوا بجثته وألقوها على باب سبط من أسباط بني إسرائيل، ثم جاؤوا إلى نبي الله موسى عليه السلام وأخبروه بأنهم يريدون الدية من أصحاب ذلك البيت لأن هذا القتيل وجد على بابهم وهم من قتله.
ولم يكن لدى هؤلاء القوم من بني إسرائيل البينة على قولهم ومدعاهم، ولم يكن لديهم القسامة الموجودة عندنا في الإسلام في حال تعذر وجود بينة على المدعى، فيأتي خمسون شخصا ليقسموا بالله على مدعاهم على تفصيل يذكر في كتب الفقه.
فجاؤوا إلى موسى عليه السلام يخبرونه بأنهم يريدون معرفة القاتل، وكان غرضهم من فعلتهم تلك إضاعة دم المقتول بحيث لا يعرف قاتله ويذهب دمه هدرا، وهذا ما نراه اليوم من أحفاد بني إسرائيل اليهود حيث يقتلون القتيل ويمشون بجنازته كما يقال، فيقتلون الناس ثم يرمون باللائمة على غيرهم ويبرؤون نفسهم كما برأ أبناء يعقوب عليه السلام أنفسهم من دم يوسف عليه السلام.
عند ذلك أجابهم النبي موسى عليه السلام بأن الله أوحى إليه بأن يذبحوا بقرة ثم يأخذون جزءا من أجزائها ويضربون به القتيل فيحيي الله ذلك الرجل ليخبرهم بمن قتله ثم يموت.
وقد رويت هذه القصة في كتب التاريخ اليهودي، وهذه الكتب مما لا يعتمد عليه بسبب التحريف الحاصل على مر التاريخ، لكن من دون هذه القصة ليس من البلاهة بحيث يكتبها بل يمتلك هدفا من وراء ذلك، ولو نظرت إلى تاريخ اليهود وبني إسرائيل لوجدت أن منهم العباقرة والفلاسفة الكبار ومن المنظرين والمفكرين العمالقة على مر التاريخ، لكنهم وظفوا فكرهم وعلمهم في سبيل خدمة أهداف دنيئة وليس لخدمة البشرية.
وإن الله لم يبتل قوما مثلما ابتلانا نحن المسلمين باليهود بني إسرائيل، وقد امتد هذا البلاء منذ القدم وحتى يومنا هذا، فكانوا ولا زالوا أشد عداوة للمسلمين والمؤمنين كما يقول تعالى في محكم كتابه.
فقد دأب اليهود من بني إسرائيل إلى اليوم رغم ذكائهم ودهائهم على دس مثل هذه الخرافات في محاولة منهم لتخريب تاريخ الإنسانية ومعالمها.
وقد دأب فلاسفتهم وعلماؤهم على مر التاريخ على تلويث الإنسانية وتخريبها وفك عرى الأسرة وتهديمها لأهداف دنيئة.
لقد سميت البقرة بقرة لأنها تبقر الأرض، فالبقرة استخدمت في حرث الأرض، كما سمي الثور ثورا لأنه يثور الأرض أي يقلب تربتها ويحرثها.
إن القرآن الكريم بحر واسع لا يدرك غوره، ولذلك لو أردنا تفسير القرآن تفسيرا كاملا علينا الاستعانة بمختلف العلماء من مختلف التخصصات، فمفسر القرآن قد يقدم لنا المعنى اللغوي والفقهي للآية إلا أنه لن يستطيع مهما حاول أن يقدم لنا التفسير المرتبط بعلم الاجتماع أو العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء في بعض الآيات المرتبطة بها أو بعلم الفلك والنجوم وغير ذلك.
ولو جاء أحد المفسرين مستنبطا بعض الظواهر الكونية والفيزيائية من بعض آيات القرآن الكريم فاعرف أنه لن يصيب الحق لأنه ليس متخصصا بتلك العلوم الطبيعية ولن يستطيع مهما حاول أن يعرف حقيقة الأمر، ولذلك تجد بعض المفسرين يقدم لنا بعض التفاسير الغريبة التي لا تمت للواقع بصلة، ويربط بعض الآيات بظواهر وأمور تجعل الآخر يضحك علينا وعلى مثل هذه التفاسير.
ولذلك ينبغي أن يؤتى بأصحاب التخصص من مختلف الاختصاصات ويقدموا لنا موسوعة تفسيرية شاملة كل يتحدث حسب تخصصه ولا يحيد عنه قيد أنملة، وهكذا سنحصل على التفسير المثالي للقرآن الكريم.