طلب العلم – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)
تتحدث الآية الكريمة عن موضوع مهم وحساس في المجتمع، فهي تتحدث عن عملية التوازن في المجتمع وعدم جواز الإخلال به.
والقرآن الكريم في منهجه يقسم المجتمع إلى قسمين: قسم يوجهه إلى طلب المعاش والمهارات العملية كالزراعة والصناعة والبناء وغير ذلك، والقسم الآخر يوجهه إلى طلب العلم.
وهنا أراد القرآن الكريم توضيح مسألة حساسة ومهمة وهي أن المجتمع لا بد أن لا يخلو من إحدى من يتقن هذه المهارات وهذه العلوم، فلا بد للمجتمع من قصاب وحداد ونجار وبناء وفلاح وصناعي وغير ذلك من الأعمال، كما لا بد له من طلاب علم، وكل يعمل بقدر ما يستطيع وبقدر ما أوتي من طاقة ذهنية وجسدية.
كما أن القرآن يدعو كلا منا أنه إذا عمل عملا أن يتقنه ويمارسه عن علم ومعرفة لا عن جهل، فالطبيب الذي يمارس مهنته عن علم لن يخطئ في وصف الدواء لمرضاه فيتسبب بزيادة آلامهم أو حتى وفاتهم، والمهندس الذي يعمل عن علم واطلاع لا يهندس بناء قد يقع في أي لحظة من اللحظات بسبب قصور في علمه.
وهذا ما دأب عليه القرآن الكريم، كما لم ينس أن يذكر كل من يطلب العلم بأن يتقن ما يقوم به، بمعنى أن يدرس ويجد ويجتهد ويسهر الليالي في سبيل الصعود إلى أعالي قمم العلم والمعرفة.
ولكن من جهة أخرى لم يدع القرآن الجميع إلى طلب العلم، فلو افترضنا أن جميع الناس ذهبوا لطلب العلم وتركوا المهن الأخرى فمن سيبني بيوتهم ومن يداويهم ويطعمهم ويسقيهم ويكسوهم؟
لذلك دأب القرآن على التأكيد على أهمية هذا التوازن الحاصل في المجتمع وعدم الإخلال به، فاعتبر أن مزاولة كل مهنة واجب كفائي على أصحاب هذه المهنة، وإن حصل نقص في من يزاول هذه المهنة فعلى الآخرين أن يسدوا هذا النقص.
ومثلا لو احتاج المجتمع إلى خمسة من الفقهاء وعلماء الدين ولم يكن لدينا سوى خمسة منهم فإن الواجب بات عينيا على هؤلاء الخمسة وليس كفائيا، فأصبح هؤلاء الخمسة مكلفون بأن يحافظوا على علمهم ورصانتهم لكي يسدوا حاجة المجتمع فيما يتعلق بفقهم ودينهم.
وقد أكد الإسلام في الكثير من المناسبات على طلب العلم وبأنه من أشرف العبادات، والعبادة ليست مجرد الصلاة والصوم والحج وما إلى هنالك، فالكد على العيال وطلب لقمة الحلال من أشرف العبادات، ومزاولة المهن المختلفة من الحدادة والنجارة والطبابة والهندسة والبناء وما إلى ذلك كلها عبادات ما دامت كلها تنفع المجتمع وتكسب صاحبها لقمة حلال وتبعده عن الحرام.
والغرض من طلب العلم كما تقول الآية ليس مجرد طلبه وزيادة مخزون العلم، فكما يقول الحديث الشريف زكاة العلم نشره، وزكاة العلم تعليمه من لا يعلمه، ولذلك فإن تبليغ العلم ونشره وتعليم الناس وتثقيفهم وجعلهم يتفقهون في الدين هو أهم هدف من طلب العلم، ولا بد لكل من تعلم وطلب العلم أن يهب لتعليم الناس والأجيال الأخرى لكي تستمر حلقة طلب العلم ولا تنقطع.