توزيع الثروة في الإسلام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون)
إن النظام الاقتصادي في الإسلام نظام فريد من نوعه يعطي لكل ذي حق حقه ولا يبخس الناس أشياءهم ولا يظلمهم، وفي نفس الوقت فهو لا يسمح بتضخم الثروة وتركيزها بيد حفنة من الناس أو المنتفعين أو المستفيدين من السلطة وما إلى ذلك من الأمراض التي تصيب مجتمعاتنا اليوم.
وإن توزيع الثروة في الإسلام من أهم الأسس والركائز في الاقتصاد الإسلامي، فلم يسمح الإسلام بتكدس الثروات لدى فئة من الناس وترك القسم الأكبر من المجتمع يئن ويرزح تحت وطأة الفقر وشظف العيش.
هذه الآية الكريمة من الآيات التي تتصف بالحياة أكثر من غيرها، وهي تعالج مسألة اجتماعية واقتصادية حساسة وهامة تواجهنا اليوم ولطالما واجهتنا على مر العصور، ألا وهي مسألة توزيع الثروة والنظام الطبقي السائد في العديد من المجتمعات على مر التاريخ وإلى يومنا هذا.
لا شك أن هناك تفاوتا في توزيع الثروة في المجتمع، ولكنك ترى هذا التفاوت شاسعا وفاحشا في غالبية المجتمعات اليوم وفيما مضى، فترى قسما من الناس يعيش حياة الثراء والترف والبذخ ويسكن القصور وأفخر البيوت ولديه من الخدم والحشم والأموال التي لا تأكلها النيران.
وفي المقابل تجد في الشارع المجاور حيا بأكمله يعج بالفقراء والمشردين الذين لا يجدون مأوى يحتويهم ولا غذاء يسد جوعهم، فهم يقضون يومهم بحثا عن قوتهم أو عمن يتصدق عليهم برغيف من الخبز أو شيء من الطعام لئلا يموتوا جوعا، وشتان بين المشهدين.
في البداية ينبغي وضع نقطة ارتكاز والتأكيد على نقطة أساسية ومهمة وهو أن الإسلام لا ينكر وجود تفاوت في توزيع الثروة بتاتا، وهو ما تؤكد عليه الآية الشريفة بصريح العبارة، لكن ما يستنكر القرآن والإسلام هو هذا التفاوت الفاحش والنظام الطبقي الذي تفرزه، وهذا كله ليس من صنع الله بل من صنع البشر الذي يظلم بعضهم بعضا ويأكل القوي فيهم الضعيف وتسود فيهم شريعة الغاب ولا تسود بينهم الرحمة والشفقة، وهذا ينطبق حتى على أكثر الدول والشعوب تقدما وحضارة اليوم في الغرب والشرق، ولا تكاد تسلم أمة من هذا المرض المستشري المستفحل.
إن الإسلام يقر بالتفاوت في توزيع الثروة، وهناك أسباب منطقية حقيقية وراء عدم توزيع الثروة بالتساوي بين الناس، وهو ليس أمرا مستهجنا أو مذموما، لأنه -وعلى سبيل المثال- لا يمكنك أن تعطي عاملا ضعيف البنية لا يقوى على العمل أكثر من أربع أو خمس ساعات في اليوم كما تعطي آخر يعمل اثنتي عشرة ساعة في اليوم ويجد ويجتهد في عمله.
كما أن من أسباب التفاوت في توزيع الثروة القدرة العقلية ونسبة الذكاء والمراحل التي اجتازها كل فرد في مشوراه التعليمي، فليس من العدالة بمكان أن تمنح المتعلم الحائز على شهادات عليا في العلوم راتبا يتساوى مع شخص لم يبلغ مرحلة الثانوية أو بالكاد يستطيع القراءة والكتابة، لكنك تشهد هذا اللون من التمييز وسوء توزيع الثروة واضحا جليا في أغلب المجتمعات اليوم وخصوصا مجتمعاتنا العربية والإسلامية مع الأسف.
وهذا الأمر لا يدل على نقص في الإسلام بتاتا، ومن يأتي ليتهم الإسلام بأن تاريخه زاخر بالطبقية والتفاوت الفاحش في توزيع الثروة فهو لا يراعي الإنصاف في اتهامه، بل ينبغي له إن أراد توجيه اللائمة على أحد أن يلقي باللائمة على من يدعي أنه يمثل الإسلام ويعتبر نفسه مسلما من القادة والحكام وسلاطين الجور الذي عاثوا في الأرض فسادا ولم يمثلوا الإسلام بصورته المشرقة ولم يكونوا أمناء في إعطاء الصورة الحقيقية للإسلام ومبادئه السمحاء.
إن الإسلام أبعد ما يكون عن الطبقية وسوء توزيع الثروة، فصحيح أن الإسلام يقر بالتفاوت في توزيع الثورة وبأنه موجود لأسباب منطقية، إلا أنه أقر العديد من القوانين والتشريعات التي لو طبقت لزالت الكثير من الفوارق الطبقية ولحدث تقارب كبير بين طبقات المجتمع حتى خلته طبقة واحدة بعد فترة من الزمن، لكن الإسلام لم يعط حقه من أصحابه وحملته الحقيقيين ليطبق بشكل دقيق وحرفي على أرض الواقع.
ولو أن حكومة كحكومة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي تعد حكومته أعدل حكومة في التاريخ كتب لها الاستمرار والدوام لرأيت الإسلام على حقيقته، ولكن ما دام الإسلام لم يأخذ حقه من التطبيق الحقيقي لعقود وأجيال فلن تستطيع الحكم على نظرياته في الاقتصاد بالفشل أو النجاح.