عدة الوفاة عند المرأة – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير)
كل نفس ذائقة الموت، والموت يتربص بابن آدم في كل مكان وزمان، فأينما حل الإنسان أدركه الموت ولو كان في بروج مشيدة.
وإن الوفاة لا تحصل بدون المتوفي الذي يتوفى الأنفس، فمن هو ذلك المتوفي الذي يتوفى كل نفس إذا جاء أجلها؟
وقد تنوعت الآيات في ذكرها لموضوع الوفاة ومن الذي يتوفى الأنفس، فقسم منها قال يتوفاها ملك الموت، وقسم يقول تتوفاهم الملائكة، وقسم يقول إن الله تعالى هو من يتوفى الأنفس ويقبض الأرواح.
والحقيقة هي أن العملية هي اشتراك لجميع هؤلاء، فالملائكة هي من تقبض روح الإنسان عندما يحين موعد الوفاة وتوكل الروح إلى ملك الموت عزرائيل، وملك الموت يوكل أمره إلى الله الذي يصادق على هذا الأمر ويأخذ روح الإنسان.
ولا تنافي بين هذا والآيات الكريمة، فالآيات أرادت أن تخبرنا بأن علينا أن نكون واقعيين ونعرف أن الأمور تجري على طبيعتها، فكما نعلم فإنه في كل لحظة تحصل العديد من حالات الوفاة في مختلف بقاع الأرض، وملك الموت هو جسم في نهاية المطاف لأنه من الملائكة والملائكة جسم وتأخذ حيزا من المكان، لذلك نشر الله ملائكته في كل مكان لتتوفى الأنفس حين يحين أجلها، وتسلم الملائكة بدورها لأمر لملك الموت الذي يسلمه للخالق الجبار الذي بيده كله شيء ولا تتم عملية التوفي والموت إلا بيده.
وأغلب المسلمين على هذا الرأي فيما عدا فرقة صغيرة تعتبر من بقايا عقيدة الحشوية التي تقول بالتجسيم ويعتبرون من المجسمة الذين يعدون لله جسما وبأنه يأخذ حيزا من المكان حاله حال الملائكة وجميع الخلق.
وهم ما يدعون اليوم بالسلفيين، وهؤلاء السلفيون يقولون بالتجسيم وبأن الله على هيئة الإنسان يجلس على عرشه وهو محدود في مكان معين لا غير محدود كما يجمع المسلمون.
وهذا لون غريب من الفكر لا يتسق مع الإسلام ولا مع مبادئه وتصوراته وفلسفته حول الخالق العظيم الجبار الذي وسع كل شيء وإذا أراد شيئا يقول له كن فيكون، أما ما يقولونه فيتنافى مع أساسيات مبادئ الإسلام وقيمه، ولذلك ترى جميع المسلمين يرفضون فكرة التجسيم وهذا النوع من الفكر.
وتحدثت الآية بعد ذلك حول عدة الوفاة عند المرأة، وتعد هذه الآية الكريمة من الآيات الناسخة لحكم كان في صدر الإسلام يقول بأن عدة الوفاة لدى المرأة حول كامل أو عام كامل تستحق فيه النفقة والبقاء في بيت زوجها، فجاءت هذه الآية ونسخت ذلك الحكم لتجعل عدة الوفاة عند المرأة أربعة أشهر وعشرة أيام.
وتشمل عدة الوفاة جميع النساء من الصغيرة إلى الكبيرة إلى اليائسة والمدخول بها وغير المدخول بها، فلا فرق بينهن في هذا الحكم. وقد يستغرب بعضهم هذا الحكم كون الصغيرة أو غير المدخول بها لا داعي لاعتدادها لهذه الفترة نظرا لعدم إمكانية حملها، ولكن الله لا يسأل عن حكم وضعه ولكل حكم وضعه حكمة خفية، وقد تكون الحكمة من وراء هذا الحكم هو أن المرأة المتوفى زوجها مهما كان حالها فهي تعيش حالة من الغم والحزن بعد وفاة زوجها وهي بحاجة إلى فترة نقاهة -إذا صح التعبير- لكي تسترجع عافيتها وتخرج من غمها وهمها.
لكن هذا الحكم في عدة الوفاة لا يشمل المرأة الحامل، وهنا تختلف المذاهب الإسلامية فيما بينها في الحكم، فسائر المذاهب الإسلامية قالت بأنه لو وضعت المرأة حملها ولو بعد لحظة من وفاة زوجها فقد انتهت عدتها باستشهادهم بقوله تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن).
لكنهم غفلوا عن الجمع مع هذه الآية الكريمة التي لم تنسخها آية بعدها، فكيف نجمع بين هذه وتلك؟
في فقه الإمامية فإنه في مثل هذه الحالة تعتد المرأة بأبعد الأجلين، أي إنها لو وضعت حملها قبل مضي عدة الوفاة الطبيعية وهي أربعة أشهر وعشرة أيام فعليها أن تكمل عدة الوفاة المعتادة، وإن زاد حملها عن عدة الوفاة المعتادة فينبغي أن تنتظر حتى تضع حملها لتنقضي عدتها وتحل للرجال وتستطيع الزواج.