العقاب الإلهي – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(إنه هو يبدئ ويعيد * وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد * فعال لما يريد)
لقد ثبت أن هناك عاملين يحركان الإنسان ويسيرانه وهما الإغراء والضغط، أو الخوف والرجاء، فالإنسان يتحرك عندما يغرى بشيء فيه منفعة ومصلحة له فيتحرك نحوه، كما أنه يتجنب مواطن الخوف والضغط بطبيعته.
أما الكفار وغير المؤمنين الذي لا يؤمنون بوجود الآخرة والحساب والعقاب فهم يحيون حياتهم هذه ويقولون (إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين).
ولذلك تجد الكافر منفلتا لا يلتزم بأي ضوابط وأي قيم، لأنه يعتبر هذه الدنيا فرصة له بأيامها المعدودة، فيغتنمها ليشبع كل رغباته وشهواته لأنه لا يجد ما يردعه ولا يفكر بحساب أو عقاب ينتظره، لذلك تجد في عالمنا اليوم القوي يأكل الضعيف وكل يريد تحقيق مصالحه ولو على حساب شقاء الملايين من الناس، فتصبح الدنيا ساحة سباق نحو المصالح الدنيوية الفانية.
لكن القرآن أكد في هذا الموضع وفي كثير من الموارد أن الله الذي خلق الإنسان قادر على إعادته وخلقه من جديد بعد الموت. والله هو من خلق الإنسان وليس أبواه من فعل ذلك، فهما مجرد وسيلة سخرها الله لخلق هذا الإنسان، ولو كان الأبوان هما من يخلقان ذريتهما بإرادتهما فكيف يقبلان بموتهما؟ هل وجدت أبا أو أما يرغب بموت ابنه؟
إن قصة الحياة الموت تتكرر كل لحظة أمامنا، فمليارات الخلايا تموت في جسم الإنسان وتولد غيرها كل لحظة، فمن يمكنه إماتة هذا الكم من الخلايا وإحلال جديدة محلها هل هو عاجز عن إعادة الإنسان بعد موته؟
إن الله مع كل ما يملكه من قوة وجبروت وقدرة على معاقبة المسيء والجاني فهو يصبر على الإنسان أكثر مما يصبر عليه أبوه وأمه، وإن العقاب الإلهي ليس انتقاما من الله من عباده، فالله تعالى يقول (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم)، إلا أن العذاب تقويم للإنسان المخطئ العاصي وتطهير له من ذنوبه.
كما أن الرحمة الإلهية تتجلى حتى في العقاب الإلهي، فالله تعالى يمهل الإنسان ويعطيه من الفرص ما لا يتيحه أعدل الحكام، لكن كثيرا من الناس لا يفقهون.