كتاب الله التكويني والتشريعي – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)
إن لله تعالى كتابين لا يدلان فقط على وجوده بل على عظمته، الأول كتاب الله التشريعي وهو القرآن الكريم الذي يؤمن به المسلمون، والثاني كتاب الله التكويني الطبيعة وهذا يؤمن به علماء الطبيعة والأحياء وغيرهم، وسبب إيمانهم بالله عن طريقه أنه بعد متابعة واستقراء لقوانين الطبيعة، وجدوا أنها منظمة تنظيماً دقيقاً، بحيث لا يمكن لنفس الطبيعة أن تنظم من خلاله نفسها إلا أن يكون منظمها ذو علم وقدرة خارقة وهذا العلم وهذه القدرة هما إلهيين.
وهاؤلاء العلماء الكثير منهم لا يؤمن بالكتب السماوية كالقرآن والإنجيل والتوراة، ويكتفي فقط بكتاب الطبيعة، والحجة في ترك الإيمان بتلك الكتب السماوية وجود ما يخالف العلم في محتوياتها، وربما كان قولهم هذا عن الإنجيل والتوراة فيه شيء من الحق، أما عن القرآن فقد أخذوا موقفهم السبي منه بسبب ما دس إلى تفاسيره من أحاديث وروايات موضوعة وتخالف العلم والفطرة.
ولكن لا يستغني الإنسان عن الكتاب التشريعي بأي وجه من الوجوه، فالكتاب التشريعي هو الذي يمنع الإنسان مع الإيمان به من القتل بغير حق والإفساد في الأرض، ونحن نلاحظ أنه مع وجود القوانين الدولية في عصرنا الحالي إلا أن تلك القوانين لم تكن رادعة لبعض الدول من الاعتداء على بعضها البعض، فلو علم وآمن أرباب تلك الاعتداءات بقول الله تعالى: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) لما تجرأ أحدهم على سفك دماء الشعوب والاعتداء عليهم.
ثانياً إن الكتاب التكويني من خلال ما يقوم به العلماء من الأبحاث فيه يثار لديهم كثير من الأسئلة ومنها: عن كيفية بدء الخلق: وماذا كان قبل الوجود؟ وماذا سيكون بعد الموت أو ما بعد فناء الأرض؟ وأيضاً يسأل عن ماهية الروح، وأين تذهب الروح بعد الموت؟ وكل هذه الأسئلة وغيرها لا يجيب عندها إلا كتاب الله التشريعي، الكتاب الناطق عن خالق هذا الكون.
وإن مصداقية هذا الكتاب تتأكد خاصة في عصرنا الحالي، بعد اكتشاف أمور لم تكون معروفة من قبل وذكرها القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرناً، وأنه قد نزل على النبي الأكرم صلة الله عليه وآله وقد كان في جزيرة العرب البعيدة عن مصادر العلم والمعرفة في ذلك الزمان، وليس لذلك دلالة إلا على أن هذا الكتاب منزل من عند خالق الكون.