الروح الأمين – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين)
ذكرت الآية الكريمة الروح الأمين، ومن المعلوم أن الروح هي من الألفاظ المشتركة التي وضعت لمعان متعددة، فالروح مشترك لفظي تحمل عدة معان، فعلى سبيل المثال لفظة العين تطلق على العين الباصرة وهي العضو الذي به نبصر الأشياء، وفي نفس الوقت فإن العين تطلق على نبع الماء، كما تطلق العين أيضًا على الذهب والجاسوس وغيرهما.
فالروح هنا من المشتركات اللفظية التي تحتمل أكثر من معنى، فجبرئيل الأمين يسمى بالروح، والوحي يسمى بالروح، والروح هي أيضًا القوة المحركة لجسد الإنسان التي بدونها لا يساوي الإنسان شيئًا.
والسؤال الذي يطرح هنا هو: لماذا سمي جبرئيل بالروح الأمين؟
ذكر بعضهم بأن العرب أحيانا تسمي الشيء باسم بعض ملابساته، فجبرئيل الذي كان يحمل الوحي، والوحي بالنسبة للأمة كان بمثابة الروح بالنسبة للجسد، فترى الآن الأمة التي لا تحمل شريعة ولا تنتمي إلى شريعة من الشرائع وتعيش على الغرائز الحيوانية فهي أمة كالجسد بلا روح، فالروح هنا عبارة عن أداة تنظيمية تنظم المجتمع وتدبّ الحياة فيه.
فالقرآن الكريم باعتباره الوسيلة للارتفاع بمستوى المجتمع ولتنظيمه عبر عنه بالروح، لأنه بالنسبة للمجتمع كما هي الروح بالنسبة للجسد.
ولذلك عندما ترى حال الجزيرة العربية قبل الإسلام وبعده ترى تأثير هذه الروح، وكيف أن هذه الروح التي عندما دبت في الجسد جعلته يحيى حياة طيبة، فالفرد الذي كان يعيش في الجاهلية كان فردا خاويا ليس له مضمون، ولكن الإسلام بمجيئه ملأ الناس علما وفهما ودينا وأخلاقا وتربية.