نور القرآن – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه)
القاعدة في موضوع العطف في اللغة العربية أن المعطوف غير المعطوف عليه، فإذا قلنا (جاء محمد وعلي) فهذا يعني أنهما اثنان، وبالنتيجة فإنهما متغايران.
لكن العطف أحيانا لا يستلزم المغايرة، وهو ما يسمى حينئذ بالعطف البياني أو التفسيري، أي يأتي للبيان والتفسير فيكون المعطوف عين المعطوف عليه أي أنهما أمر واحد. والآية الكريمة من هذا الباب، فقوله تعالى (نور وكتاب) فيه صفتان معطوفتان للقرآن، وهاتان الصفتان تقرران أن القرآن الكريم نور وكتاب ثم وصفته بأنه (مبين).
ثم إننا نعرف أن النور وسيلة تقهر الظلام وتجلوه، فيساعد على إيجاد وسط ناقل للرؤية عند العين، فالعين لا يمكن لها أن ترى من دون هذا الوسط الناقل، ولهذا فإنها تحتاج إلى الضوء.
لقد درج القرآن الكريم دائما على أن يشبه الأمور المعنوية بالأمور الحسية ليقربها إلى أذهان الناس، ومنه تشبيه آية المقام القرآن الكريم بالنور، لأنه يضيء لنا ظلمات الروح وحوالكها، فروح الإنسان من دون الوحي ورعاية السماء لا يمكن أن تهتدي إلى طريقها أو أن ترى سبيلها الأفضل.
وكما هو معلوم فإن الإنسان تؤثر فيه مؤثرات كثيرة فلا يستطيع أن يميز السبيل الصحيح والطريق المستقيم بسهولة، ولذا فإنه يحتاج إلى إرشاد وتوجيه يقيانه مما يحيط به من المؤثرات والشهوات والمطامع والغرائز، فالإنسان يحتاج إلى دعم وتوجيه خارجي، وهو دور الرسالات السماوية التي تأتي لتقوم به الإنسان، فتضيء له طريقه وفكره وروحه.
ونلفت النظر إلى أن الذي لا يملك عقيدة سماوية يعيش بروح مظلمة، فحيته تقبع في ظلام روحي دامس، فهي تسير بلا هدف ولا إلى هدف، وهو يشارك الحيوان وليس عنده أفق روحي، فالقرآن هو (كتاب مبين) أي مظهر.
وقد يسأل سائل فيقول إذا كان القرآن كتابا مبينا كما يسمي نفسه، فلماذا هذا الاختلاف الذي نجده بين علماء المسلمين؟