قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

حرمة الدماء في الإسلام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

قال تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)

تفسير واقعة بدر وموقف قريش:

الآية المباركة نزلت في مشركي قريش يوم بدر، عندما خرجوا من مكة استكبارًا واستهانةً، ظانين أن العاقبة ستكون لصالحهم، وأنهم سيدكون الإسلام وأهله في مهدهم. وقد خرجوا “بطرًا”، أي في حال من التكبر والغرور، و”بطر النعمة” هو أن يغتر الإنسان بما عنده ويصرفه في غير محله، وهذا عين ما فعلوه، إذ استعملوا قوتهم في حرب نبيهم، ومالهم في تأليب الناس عليه، بدل أن يسالموه ويردّوا للمهاجرين حقوقهم التي اغتصبوها.

موقف الإسلام من الدماء:

قبل الإسلام، كان الدم أرخص من الماء عند العرب، وكان سفك الدماء جزءًا من أعراف الجاهلية التي لا تقيم للروح وزناً ولا اعتبارًا. فجاء الإسلام ليقلب هذه المعادلة تمامًا، فحرمة الدم في الإسلام ليست حرمة مؤقتة أو ظرفية، بل أصل تشريعي.

فالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله حين وقف في حجة الوداع، بيّن هذا الأصل بيانًا واضحًا لا لبس فيه، حين قال:

“إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم.”

وهنا تتجلّى نظرة الإسلام التربوية للمجتمع، فالمجتمع لا يُبنى على الخوف والإرهاب وسفك الدماء، بل يُبنى على الأمن والعدل واحترام الإنسان.

الإسلام ومقياس التحضر:

الأنظمة قد تتشدق بالتحضر، ولكن إذا لم تحفظ النفس الإنسانية فلا قيمة لكل ما يُسمّى من مظاهر الحضارة. الإسلام لم يقدّم قيمة حضارية أسمى من قيمة الإنسان، وجعل “من قتل نفسًا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعًا”، وهذا يعني أن ميزان القرب من الله ليس كثرة الصلاة والصيام فقط، بل يبدأ من احترام النفس الإنسانية.

الردة العملية بعد النبي (ص):

لكن المأساة أن هذا الدين، الذي شدّد على حرمة الدماء، ما إن رحل نبيه عن الدنيا، حتى نُقض أول عهوده، وكان أول الدم الذي سُفك ظلمًا بعده هو دم أهل بيته عليهم السلام. والأعجب أن القوم الذين سمعوا خطبته ووعظه في حجة الوداع هم أنفسهم من عادوا إلى سيرة الجاهلية، فرفعوا السيوف وضرب بعضهم رقاب بعض، بل إن سيف الجور سُلط أول ما سُلط على أهل بيت العصمة والطهارة.

وفي الختام:

الدم لا يُراق باسم الدين، ولا يُستباح تحت شعارات باطلة. كل من يستهين بحرمة الدماء يعيدنا إلى زمن الجاهلية الأولى، ولو لبس ألف لباس من الدين والقداسة. فالدين الحق، والرسالة النبوية، تبدأ من احترام الإنسان، وتنتهي بحفظ كرامته، لأنه خليفة الله في الأرض.

مواضيع مشابهة

ليتفقهوا في الدين- آيات الأحكام- 188- عقوبة القتل

أحكام القتل