دروس من قصة موسى ع – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ)
لقد كرر القرآن الكريم قصة فرعون وموسى عدة مرات، والحكمة من ذلك أن الله تعالى يريد أن يؤكد على وجود من يريد الإصلاح في المجتمع ومن يريد الفساد، وهو مصداق لقوله تعالى: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)..وإنه لا يخلو مجتمع بشري إلا وفيه طرفي الخير والشر وأن الصراع قائم بينهما إلى ما شاء الله.
فالآية الكريمة هنا ذكرت أن الذين آمنوا مع موسىى عليه السلام هم بالغالب مجموعة من بني إسرائيل، غير أن أغلب الذين استكبروا عن اتباعه والإيمان برسالته هم من قوم فرعون، وأراد القرآن هنا أن يشير إلى أن العامل القومي مهم لدى الشعوب، لذلك أرسل سبحانه لكل قوم نبي منهم.. (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ).
ولكن رغم أن الله سبحانه يراعي الشعور القومي عند كثير من البشر إلا أنه لو تعارضت المبادئ القومية مع المبادئ الدينية فهل يجيز لنا تقديم القومية على الدين؟ والجواب في قول الإمام زين العابدين عليه السلام لما سئل عن العصبية قال : (العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم).
وإنه أيضا كثير ممن آمن مع موسى عليه السلام كانت أمهاتهم من بني إسرائيل، وهذا العامل كان له الأثر الكبير على إيمانهم، حيث أن الإنسان بطبيعته يميل لأمه أكثر من أبيه ولأخواله أكثر من أعمامه، والعامل الآخر أن تربية الأبناء موكولة بشكل شبه كامل للأمهات، ولذلك حذر الإسلام من الزواج من غير المسلمات وإن لم تحرم الشريعة من الزواج بنساء أهل الكتاب.
وفي قوله تعالى (خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ) كان خوف قوم موسى من قوم فرعون أن يكشف أمر إيمانهم فيتعرضون إلى أشد أنواع العذاب والأذى، فقد كان أسلوب فرعون في تعذيب أصحاب موسى من أشد الأساليب أذى للجسد وللنفس، فهو إما أن يعرض الفرد منهم للإحراق بالنار حتى يشوى كامل بدنه، وإما أن يعرض لاعتداء جنسي، وهذا الأسلوب الثاني هو أشد على أنفس البشر من القتل بكافة أشكاله.
نعي مصيبة مسلم بن عقيل