ظاهر القرآن ونظرية التجسيم – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
يتناول هذا المقال قضية “ظاهر القرآن” ونظرية “التجسيم”، التي تثير جدلاً في الفكر الإسلامي، خاصة عند تفسير النصوص القرآنية التي قد يُفهم ظاهرها على نحو يتعارض مع العقل أو الثوابت الدينية. من خلال هذا الطرح، نسعى لتوضيح أهمية فهم النصوص القرآنية بما يتوافق مع العقل السليم والقواعد الإسلامية الراسخة.
مفهوم ظاهر القرآن وإشكالية الأخذ به
الأخذ بظاهر القرآن الكريم ممكن في بعض الآيات، لكنه متعذر في آيات أخرى. هناك آيات لا يمكن فهمها بظاهر ألفاظها لأنها قد تصطدم بالعقل السليم، الذي يُعتبر أحد مصادر التشريع الأساسية بجانب القرآن.
مثال على ذلك: “والعقل والعقلاء”
العقل هنا لا يعني التفكير الفردي، بل يشير إلى القواعد العقلية العامة التي يتفق عليها جميع العقلاء. إذا اصطدم ظاهر آية معينة بقاعدة عقلية عامة، فإن الواجب هو البحث عن تفسير يتجاوز ظاهر النص، لأن النص القرآني والعقل لا يمكن أن يتناقضا.
العلاقة بين العقل والقرآن
العقل هو أساس التكليف الإلهي، والله سبحانه لا يكلف غير العاقل أو المجنون. من القواعد العقلية الأساسية: قبح العقاب بلا بيان، أي أن الله لا يعاقب إلا بعد إقامة الحجة وإرسال الرسل لتوضيح الحلال والحرام. هذه القاعدة تعكس عدل الله وتتسق مع مفهوم التكليف في الإسلام.
تفسير العرش بين الظاهر والتأويل
الآية الكريمة: “الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم” تشير إلى العرش، الذي يعني في اللغة “سرير الملك”. إذا أخذنا اللفظ بظاهره، فقد نفهم أن الله سبحانه يجلس على عرش مادي كما يجلس الملوك، وهو ما يتبناه بعض أتباع السلفية القائلين بنظرية التجسيم.
لكن هذه النظرية تصطدم مع النصوص القرآنية التي تؤكد أن الله:
- “ليس كمثله شيء” (الشورى: 11)
- “وسع كرسيه السماوات والأرض” (البقرة: 255)
التفسير العقلي للنصوص يُظهر أن العرش لا يعني تجسيم الله أو تحديد مكان له، بل يُفهم على أنه رمز لسلطانه وقدرته.
نقد نظرية التجسيم
السلفية التي تأخذ بظاهر النصوص دون مراعاة العقل وقواعده تقع في خطأ تفسير القرآن الكريم بشكل حرفي. القول بأن الله له وجه ويدان وعينان بشكل مادي يناقض ثوابت الدين، مثل أن الله لا يحويه مكان أو زمان، بل هو موجود في كل مكان بعلمه وقدرته.
الخاتمة
فهم القرآن الكريم يتطلب التوازن بين النصوص الظاهرة والقواعد العقلية العامة، لأن الإسلام دين عقل ومنطق. التفسيرات الحرفية التي تصطدم بالعقل تنحرف عن جوهر الدين، الذي يؤكد تنزيه الله عن كل مشابهة للمخلوقات. لذا، يبقى من واجب العلماء المسلمين توضيح هذه القضايا بعقلانية تراعي ثوابت الشريعة ومنطق العقل.