القسم في القرآن – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون * إنه لقول رسول كريم) [سورة الحاقة: 38-40].
أهمية القسم في القرآن
القسم في القرآن الكريم هو أسلوب بليغ يبرز عظمة الأمر المقسوم عليه ويؤكد أهميته. الله سبحانه وتعالى يقسم بمخلوقاته أو بآياته ليقيم الحجة على الناس ويبين لهم الحقائق الكبرى.
ولكن هل يجوز للبشر القسم بالطريقة نفسها؟
- القسم المشروع للبشر:
يجوز للإنسان أن يقسم بالله سبحانه وتعالى فقط، ولا يجوز القسم بمخلوقات الله أو أي شيء آخر. قال النبي صلى الله عليه وآله: “من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت.”- القسم يجب أن يكون في أمور جادة ومهمة، وليس في الأمور البسيطة أو المزاح.
- القسم الكاذب أو اليمين الغموس (الكذب في شهادة أو قضية) من الكبائر، ويتطلب التوبة والكفارة.
“فلا” قبل القسم: هل هي زائدة؟
- قال العديد من المفسرين إن “فلا” هنا زائدة، والمقصود هو القسم المباشر.
- لكن إذا تأملنا، نجد أن “فلا” لها وظيفة معنوية قوية، فهي نافية، والغرض منها:
- نفي كل شك أو جدال حول ما سيقسم الله عليه.
- تأكيد اليقين المطلق بأن الأمر المقسوم عليه هو حق لا مراء فيه.
لذا، القول بأن “فلا” زائدة ينقص من بلاغة الآية التي تحمل معاني دقيقة.
القسم بما نبصر وما لا نبصر
- ما نبصر:
كل ما تراه العين في هذا الكون، من المخلوقات السماوية والأرضية.- النجوم والكواكب والشمس والقمر.
- الحيوانات والنباتات، وكل مظاهر الحياة.
- ما لا نبصر:
- الأشياء التي تخفى عن أعيننا لكنها موجودة:
- الكائنات الدقيقة والخلايا التي تُكوِّن أجسامنا.
- الأرواح، والمشاعر، والإحساسات.
- عالم الغيب والملائكة، وهو أعظم مما ندرك.
- قوانين الكون التي تنظم الحياة، لكنها خفية عن الإنسان.
- الأشياء التي تخفى عن أعيننا لكنها موجودة:
القسم بهذه الأمور يضع الإنسان أمام عظمة الخلق ودقة النظام الإلهي، ليُدرك محدودية إدراكه أمام قدرة الله اللامحدودة.
“إنه لقول رسول كريم”
- الله يقسم على أن القرآن هو قول رسول كريم، أي أنه كلام الله الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وآله ليبلغه للناس.
- لماذا نُسب القرآن إلى الرسول؟
- لأن الرسول هو من بلّغه وقرأه على الناس.
- ولكن لا يعني هذا أن القرآن من عند الرسول، بل هو وحي إلهي. قال الله تعالى:
(وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى) [النجم: 3-4].
منع تدوين حديث النبي: الأبعاد السياسية
- بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله، نشأ خلاف سياسي حول تدوين الحديث الشريف، حيث مُنعت كتابة الحديث بحجة:
- خشية اختلاط كلام النبي بالقرآن.
- لكن هذه الحجة ضعيفة، لأن كلام النبي معروف ومنفصل عن القرآن في ألفاظه وخصائصه.
- الخوف من انشغال الناس بالحديث ونسيان القرآن.
- ولكن الإسلام يؤكد أهمية الحديث كشارح ومفسر للقرآن.
- أمية الصحابة.
- هذا ادعاء مردود، لأن كثيرًا من الصحابة كانوا يكتبون، وقد دُوّنت الرسائل والمعاهدات.
- خشية اختلاط كلام النبي بالقرآن.
الدافع الحقيقي لمنع تدوين الحديث:
- الأسباب الظاهرة كانت مجرد غطاء للدوافع السياسية التي خشيت من نقل أحاديث النبي صلى الله عليه وآله التي:
- تدعم ولاية أهل البيت عليهم السلام.
- تفضح ممارسات بعض أصحاب السلطة.
- رزية الخميس كانت إحدى المحطات التي تعكس هذه الدوافع، حيث مُنع النبي من كتابة وصيته الأخيرة بحجة أنه “يهجر.”
دور أهل البيت عليهم السلام:
- حفظ أهل البيت حديث النبي ونقلوه رغم كل محاولات الطمس.
- لولا أهل البيت عليهم السلام لضاع الكثير من سنة النبي التي هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي.
خاتمة: القسم تأكيد لحقائق الإيمان
القسم في هذه الآية جاء ليؤكد حقائق كبرى:
- عظمة مخلوقات الله، المرئية والخفية.
- صدق رسالة النبي صلى الله عليه وآله، وأن القرآن وحي إلهي.
- أهمية الالتزام بالوحي، وضرورة فهم مكانة الحديث النبوي في الإسلام.
هذه الآية تضعنا أمام مسؤولية الإيمان بالله ورسوله والالتزام برسالتهما، والتأمل في الكون الذي هو أعظم دليل على قدرة الله.